وقال سعيد بن جبير ـ رضي الله عنهما ـ ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : أنزل على المائدة كلّ شيء إلّا الخبز واللّحم (١).
قال قتادة : كان عليها ثمر من ثمار الجنّة.
وقال عطيّة العوفي (٢) : نزلت من السّماء سمكة فيها طعم كلّ شيء.
وقال الكلبيّ (٣) : كان عليها خبز رزّ ، وبقل.
وقال وهب بن منبّه (٤) : أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ قرصة من شعير وحيتانا ، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ، ثمّ يجيء آخرون فيأكلون ، حتّى أكل أجمعهم.
وقال الكلبيّ ومقاتل (٥) : أنزل الله سمكا وخمسة أرغفة ، فأكلوا ما شاء الله ، والنّاس ألف ونيف ، فلمّا رجعوا إلى قراهم ، ونشروا الحديث ، ضحك منهم من لم يشهد ؛ وقالوا : ويحكم ، إنّما سحر أعينكم ، فمن أراد الله به تعالى الخير ثبّته على بصيرته ، ومن أراد فتنته رجع إلى كفره ، فمسخوا خنازير ليس فيهم صبيّ ولا امرأة ، فمكثوا كذلك ثلاثة أيّام ، ثم هلكوا ، ولم يتوالدوا ، ولم يأكلوا ، ولم يشربوا ، وكذلك كلّ ممسوخ وقال قتادة : كانت تنزل عليهم بكرة وعشيّا ، كالمنّ والسّلوى لبني إسرائيل.
وروى عطاء بن أبي رباح ، عن سلمان الفارسيّ (٦) : لما سأل الحواريّون المائدة ، لبس عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ صوفا وبكى ، وقال : «اللهم أنزل علينا مائدة من السماء» ، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين ، غمامة من تحتها ، وغمامة من فوقها وهم ينظرون إليها ، وهي تهوي خافضة ، حتّى سقطت بين أيديهم ، فبكى عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال : اللهمّ اجعلني من الشّاكرين ، اللهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة ، واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قطّ ، ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه ، فقال عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : ليقم أحسنكم عملا ، فيكشف عنها ، ويذكر اسم الله تعالى ، فقال شمعون الصّفّار رأس من الحواريّين أنت أولى بذلك منّا ، فقام عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فتوضّأ وصلّى وبكى كثيرا ، ثم كشف المنديل ، وقال : بسم الله خير الرّازقين ، فإذا سمكة مشويّة ليس عليها فلوسها ولا شوك تسيل من دسمها ، وعند رأسها ملح وعند ذنبها خلّ ، وحولها من أنواع البقول ما خلا الكرّاث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد زيتون ، وعلى الثّاني عسل ، وعلى الثّالث سمن ، وعلى الرّابع جبن ، وعلى الخامس : قديد ، فقال شمعون : يا روح الله أمن طعام الدّنيا هذا أو من طعام الآخرة؟ قال : ليس منهما ، ولكنّه شيء افتعله الله بالقدرة العالية ، كلوا ما سألتم واشكروا الله يمددكم ويزدكم من فضله.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٧٩.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) تقدم.