يصحّ ، لأنها جاءت بعد «إلا» ، وكلّ ما كان بعد «إلا» المستثنى بها فلا بدّ أن يكون له موضع من الإعراب ، و «أن» التفسيرية لا موضع لها من الإعراب». انتهى.
قال شهاب الدين (١) : أمّا قوله : «إن ربي وربكم من كلام عيسى» ففي غاية ما يكون من البعد عن الأفهام ، وكيف يفهم ذلك الزمخشري والسياق والمعنى يقودان إلى أنّ «ربي» تابع للجلالة؟ لا يتبادر للذهن ـ بل لا يقبل ـ إلا ذلك ، وهذا أشدّ من قولهم «يؤدي إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه» فآل قول الشيخ إلى أنّ (اعْبُدُوا اللهَ) من كلام الله تعالى و (رَبِّي وَرَبَّكُمْ) من كلام عيسى ، وكلاهما مفسّر ل «أمرت» المسند للباري تعالى. وأمّا قوله «يصحّ ذلك على حذف مضاف» ففيه بعض جودة ، وأما قوله : «إنّ حلول البدل محلّ المبدل منه غير لازم» واستشهاده بما ذكر فغير مسلّم ، لأنّ هذا معارض بنصّهم ، على أنه لا يجوز «جاء الذي مررت به أبي عبد الله» بجرّ «عبد الله» بدلا من الهاء ، وعلّلوه بأنه يلزم بقاء الموصول بلا عائد ، مع أنّ لنا أيضا في الربط بالظاهر في الصلة خلافا قدّمت التنبيه عليه ، ويكفينا كثرة قولهم في مسائل : «لا يجوز هذا لأن البدل يحلّ محل المبدل منه» فيجعلون ذلك علة مانعة ، يعرف ذلك من اطلع على كلامهم ، قال شهاب الدين (٢) رحمهالله : فلو لا خوف الإطالة لأوردت منه مسائل شتى. وأمّا قوله : «وكلّ ما كان بعد «إلا» المستثنى به إلى آخره» فكلام صحيح لأنها إيجاب بعد نفي فيستدعي تسلّط ما قبلها على ما بعدها.
ويجوز في «أن» الكسر على أصل التقاء الساكنين والضمّ على الإتباع ، وقد تقدّم تحقيقه ونسبته إلى من قرأ به في قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ) في البقرة [الآية ١٧٣]. و «ربي» نعت أو بدل أو بيان مقطوع عن الإتباع رفعا أو نصبا ، فهذه خمسة [أوجه] تقدّم إيضاحها.
قوله : «شهيدا» خبر «كان» ، و «عليهم» متعلق به ، و «ما» مصدرية ظرفية أي: تتقدّر بمصدر مضاف إليه زمان ، و «دام» صلتها ، ويجوز فيها التمام والنقصان ، فإن كانت تامة كان معناها الإقامة ، ويكون «فيهم» متعلقا بها ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنه حال ، والمعنى : وكنت عليهم شهيدا مدة إقامتي فيهم ، فلم يحتج هنا إلى منصوب ، وتكون حينئذ متصرفة ، وإن كانت الناقصة لزمت لفظ المضيّ ولم تكتف بمرفوع ، فيكون «فيهم» في محلّ نصب خبرا لها ، والتقدير : مدة دوامي مستقرا فيهم ، وقد تقدم أنه يقال : «دمت تدام» كخفت تخاف. قوله : (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) يجوز في «أنت» أن تكون فصلا وأن تكون تأكيدا. وقرىء (٣) «الرقيب» بالرفع على أنه خبر ل «أنت» والجملة خبر ل «كان» ، كقول القائل : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٥٨.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ذكرها صاحب الشواذ حكاية عن أبي معاذ (٤٢).