السادس : أنها بدل من «ما» نفسها أي : ما قلت لهم إلا أن اعبدوا.
السابع : أنّ «أن» تفسيرية ، أجازه ابن عطية والحوفي ومكي (١). وممن ذهب إلى جواز أنّ «أن» بدل من «ما» فتكون منصوبة المحلّ أو من الهاء فتكون مجرورته أبو إسحق الزجاج (٢) ، وأجاز أيضا أن تكون تفسيرية لا محلّ لها. وهذه الأوجه قد منع بعضها الزمخشري ، وأبو البقاء (٣) منع منها وجها واحدا وهو أن تكون تفسيرية ، أما الزمخشري فإنه منع أن تكون تفسيرية إلا بتأويل ذكره وسيأتي ، وبدلا من «ما» أو من الهاء في «به». قال ـ رحمهالله ـ : «أن» في قوله: (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بدّ من مفسّر ، والمفسّر : إما أن يكون فعل القول أو فعل الأمر ، وكلاهما لا وجه له ؛ أما فعل القول فلأنه يحكى بعده الجمل ولا يتوسّط بينه وبين محكيّه حرف تفسير ، وأما فعل الأمر فمستند إلى ضمير الله تعالى ، فلو فسّرته ب (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) لم يستقم لأن الله لا يقول : اعبدوا الله ربي وربكم ، وإن جعلتها بدلا لم يخل من أن تجعلها بدلا من «ما» في «ما أمرتني به» ، أو من الهاء في «به» ، وكلاهما غير مستقيم ؛ لأنّ البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه ، ولا يقال : ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله ، أي : ما قلت لهم إلا عبادته لأنّ العبادة لا تقال ، وكذلك لو جعلتها بدلا من الهاء ، لأنك لو أقمت (أَنِ اعْبُدُوا) مقام الهاء [فقلت : إلا ما أمرتني بأن اعبدوا الله] لبقي الموصول بغير راجع إليه من صلته ، فإن قلت : كيف تصنع؟ قلت : يحمل فعل القول على معناه ، لأنّ معنى (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) : ما أمرتهم إلا بما أمرتني به ، حتى يستقيم تفسيره ب (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) ، ويجوز أن تكون «أن» موصولة عطفا على بيان الهاء لا بدلا.
وتعقّب عليه أبو حيان (٤) كلامه فقال : «أمّا قوله وأمّا فعل الأمر إلى آخر المنع [وقوله : «لأن الله لا يقول اعبدوا الله ربي وربكم» فإنما لم يستقم لأنه جعل الجملة وما بعدها مضمومة إلى فعل الأمر ، ويستقيم أن يكون فعل الأمر مفسّرا بقوله : (اعْبُدُوا اللهَ) ويكون (رَبِّي وَرَبَّكُمْ) من كلام عيسى على إضمار «أعني» أي : «أعني ربي وربكم» ، لا على الصفة التي فهمها الزمخشري فلم يستقم ذلك عنده ، وأمّا] قوله : «لأن العبادة لا تقال» فصحيح ، لكن يصحّ ذلك على حذف مضاف أي : ما قلت لهم إلا القول الذي أمرتني به قول عبادة الله تبارك وتعالى أي : القول المتضمن عبادة الله تبارك وتعالى ، وأمّا قوله «لبقي الموصول بغير راجع إليه من صلته» فلا يلزم في كل بدل أن يحلّ محلّ المبدل منه ، ألا ترى إلى تجويز النحويين : «زيد مررت به أبي عبد الله» ولو قلت : «زيد مررت بأبي عبد الله» لم يجز إلا على رأي الأخفش. وأما قوله : «عطفا على بيان الهاء» ففيه بعد ، لأن عطف البيان أكثره بالجوامد الأعلام. وما اختاره الزمخشري وجوّزه غيره لا
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٢٥٤.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٤٦.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٣.
(٤) ينظر : البحر المحيط ١ / ٦٥.