وقال : المعنى : تعلم ما أخفيه من سرّي وغيبي ، أي : ما غاب ولم أظهره ، ولا أعلم ما تخفيه أنت ولا تطلعنا عليه ، فذكر النفس مقابلة وازدواجا ، وهذا منتزع من قول ابن عباس ، وعليه حام الزمخشري رحمهالله فإنه قال : «تعلم معلومي ولا أعلم معلومك» ، وأتى بقوله : (ما فِي نَفْسِكَ) على جهة المقابلة والتشاكل [لقوله : (ما فِي نَفْسِي) فهو] كقوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] ، وكقوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٤ ، ١٥].
وقيل : المعنى : تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك.
وقيل : تعلم ما في الدّنيا ، ولا أعلم ما يكون منك في الآخرة.
وقيل : تعلم بما أقول وأفعل ، ولا أعلم بما تقول وتفعل (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) وهذا تأكيد للجملتين المتقدّمتين.
وتمسّكت المجسّمة بقوله «بما (فِي نَفْسِكَ) ، وقالوا : النّفس إنّما تكون في الشّخص.
وأجيبوا : بأنّ النّفس عبارة عن الذات ، يقال : نفس الشّيء وذاته بمعنى واحد ، وأيضا المراد : تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ، ولكنّه ذكر هذا الكلام على طريق المقابلة والمشاكلة.
قال الزّجاج : النّفس عبارة عن جملة الشّيء وحقيقته (١).
قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) : هذا استثناء مفرغ فإنّ «ما» منصوبة بالقول ؛ لأنها وما في حيّزها في تأويل مقول. وقدّر أبو البقاء (٢) القول بمعنى الذكر والتأدية. و «ما» يجوز أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة.
قوله تعالى : (أَنِ اعْبُدُوا) في «أن» سبعة أوجه :
أحدها : أنها مصدرية في محلّ جر على البدل من الهاء في «به» والتقدير : ما قلت إلا ما أمرتني بأن اعبدوا ، وهذا الوجه سيأتي عليه اعتراض.
الثاني : أنها في محلّ نصب بإضمار «أعني» ، أي : إنه فسّر ذلك المأمور به.
الثالث : أنه في محلّ نصب على البدل من محلّ «به» في (ما أَمَرْتَنِي بِهِ) لأن محلّ المجرور نصب.
الرابع : أن موضعها رفع على إضمار مبتدأ وهو قريب في المعنى من النصب على البدل.
الخامس : أنها في محل جر لأنها عطف بيان على الهاء في به.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٨١.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٣.