وقيل : أراد بالصّادقين النّبيّين.
وقال الكلبيّ : ينفع المؤمنين إيمانهم (١).
وقال قتادة : متكلّمان يخطبان يوم القيامة : عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وهو ما قصّ الله عزوجل ـ وعدوّ الله إبليس ، وهو قوله : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) [إبراهيم : ٢٢] فصدق عدوّ الله يومئذ ، وكان قبل ذلك كاذبا ، فلم ينفعه صدقه (٢) ، فأمّا عيسى ـ عليهالسلام ـ فكان صادقا في الدّنيا والآخرة فنفعه صدقه.
وقال بعضهم : المراد صدقهم في العمل لله في يوم من أيّام الدّنيا ؛ لأنّ دار الآخرة دار جزاء لا دار عمل.
وقيل : المراد صدقهم في الآخرة وذلك في الشّهادة لأنبيائهم بالبلاغ ، وفيما شهدوا به على أنفسهم كالعدم من أعمالهم ، ويكون وجه النّفع فيه أن يكفّوا (٣) المؤاخذة بتركهم كتم الشّهادة ، فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم على أنفسهم ، ثمّ بين ثوابهم ، فقال : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ،) فبيّن أنّ ذلك النّفع هو الثّواب ، وهو حقيقة خالصة دائمة مقرونة بالتّعظيم.
واعلم : أنّه تبارك وتعالى إنّما ذكر الثّواب ، قال : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ، فيذكر معه لفظ التأبيد ، وإنّما ذكر عقاب الفسّاق من أهل الإيمان ، فيذكر معه لفظ الخلود ، ولم يذكر معه لفظ التّأبيد وقوله : «رضي الله عنهم» معناه الدعاء.
(وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الجمهور على أنّ قوله : (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) عائد إلى جملة ما تقدّم من قوله : (لَهُمْ جَنَّاتٌ) ، إلى قوله : (وَرَضُوا عَنْهُ).
قال ابن الخطيب (٤) : وعندي أنّه يحتمل أن يكون مختصّا بقوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ؛ لأنّه ثبت عند أرباب العقول ، أن جملة الجنّة بما فيها بالنّسبة إلى رضوان الله ـ تبارك وتعالى ـ بالنّسبة إلى الوجود ، وكيف والجنّة مرغوب الشّهوة ، والرّضوان صفة الحقّ ، وأيّ مناسبة بينهما!
ثم قال ـ تبارك وتعالى ـ معظّما لنفسه : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
قيل : إنّ هذا جواب عن سؤال مقدّر ، كأنّه قيل : من يعطيهم ذلك الفوز العظيم ، فقيل: الذي له ملك السموات والأرض.
قال القرطبي : جاء هذا عقب ما جرى من دعوى النصارى في عيسى أنه إله فأخبر
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٨٢.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر» (٢ / ٦١٧) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ عن قتادة.
(٣) في أ : يكتموا.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ١٢ / ١١٥.