وفي مشهورة أبي خديجة : «جعلته عليكم قاضيا» (١).
وقوله (١) عجّل الله فرجه : «هم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله» (٢).
______________________________________________________
المكاتبة من أنّه عليهالسلام كتب بخطّه : «الحكام القضاة». فالمستفاد المتيقن من المقبولة والمشهورة هو منصب القضاء ، دون الولاية المطلقة للفقيه (*).
(١) يدل هذا التوقيع الشريف على أنّ الراوي ـ المراد به الفقيه ـ هو المرجع والحاكم في كلّ حادثة يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم. ومن المعلوم أنّ في «الحوادث» السياسيات والشرعيات. ولا فرق فيها بين ما يرتبط بشخص خاصّ أو بنظام المجتمع كالمعاهدة مع الأجانب في إخراج المعادن وإجراء عقد الذمة وأخذ الجزية من أهل الذمة ، وغير ذلك ممّا يرجع فيه إلى الحكومة. وهذا معنى كون الفقيه حاكما مطلقا من ناحية من هو حجة من الله تعالى ومسلّط على عوالم الوجود كلّها ، أرواحنا فداه وعجّل
__________________
(*) إلّا أن يقال : انّ لفظ «الحاكم» في صدر المقبولة ظاهر في السلطان الذي يحكم بين الناس بالسيف والسّوط ، وليس ذلك شأن القاضي. فالحاكم وإن أطلق أحيانا على القاضي ، إلّا أنّ المراد به هنا هو السلطان بقرينة العطف الظاهر في المغايرة في كلام السائل ، حيث قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا تنازعا في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان ، أو إلى القضاة أيحلّ ذلك؟» والامام عليهالسلام قرّره على ذلك.
والحاصل : أنّ مغايرة المعطوف والمعطوف عليه قرينة على عدم إرادة القاضي من السلطان ، فإذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا. وجعل السلطان حاكما ظاهر في الولاية العامة الموجبة لإقامة الجمعة وإجراء الحدود ، وأخذ الزكاة قهرا ، ونظم البلاد ، وغير ذلك ممّا هو شأن الحكومة ، دون القاضي.
وعليه فما ذكرناه في (ص ١٣٥) من قولنا : «لكن الظاهر أنّ هذه الروايات الثلاث في مقام جعل منصبي القضاء والإفتاء للفقيه دون الولاية المطلقة .. إلخ» لا يخلو من شيء ، فإنّ الأوفق بالقواعد العربية ما ذكرناه هنا ، فتأمّل جيّدا.
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٦.
(٢) إكمال الدين ، ص ٤٨٤ ، الباب ٤٥ ، ح ٤ ، وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ١٠١ ، ح ٩ ، رواه عن إكمال الدين والغيبة.