الدقيقة . فالمعجزة غير دالّة بالدلالة المطابقية على صحّة المعارف والأصول التي يأتي بها صاحبها ، بمعنى أنّها ليست الحدّ الأوسط في صحّة المدّعى ، كالتغيير في قولنا : العالَم مُتَغَيّر ، وكلُّ مُتَغِّير حادث ، فالعالَمُ حادث .
وإنْ كان المُرادُ أنّ خرق العادة الملموسة ـ أعني قلب العصا حيّة ـ دليلٌ على أنّهم قادرون على خرق عادة أخرى غير ملموسة ـ وهي الإتصال بعالم الوحي وكون إدراكات النبي خارجة عن إطار الإدراكات العادية المتعارفة ـ فهو صحيح ، وإليك بيانه :
إنّ الأنبياء عليهم السلام ، كانوا يواجهون في تبليغ رسالاتهم إشكالين عظيمين في أعين الناس :
الإشكال الأول ـ إنّهم كانوا يتخيّلون أنّ النبي المرسل من عالم الغيب ، يجب أن يكون من جنس الملائكة ، ولا يصحّ أن يكون إنساناً مثلهم .
والقرآن الكريم يحكي عنهم هذا الاعتراض ، بقوله : ( قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) (١) .
وكان الأنبياء يجيبون سؤالهم بأنّ المماثلة أساس التبليغ ، والوحدة النوعية غير مانعة منه ، لإمكان أن يتفضل فرد من نوع على فرد من ذاك النوع ، فيكون الفاضل مُرْسلاً ، والمفضول مُرْسَلاً إليه .
والقرآن الكريم يحكي هذا الجواب ، بقوله : ( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ، وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (٢) .
الإشكال الثاني ـ إنّ الأنبياء عليهم السلام كانوا يَدَّعون أنّهم يتلقون الأصول والمعارف والأحكام والفروع من الله سبحانه عن طريق الوحي ، وهو إدراك خاص يوجَد فيهم ولا يوجد في غيرهم ، وليس من قبيل الإدراكات العادية
__________________
(١) سورة إبراهيم : الآية ١٠ .
(٢) سورة إبراهيم : الآية ١١ .