التي يجدها كل إنسان في صميم ذاته من طريق الإبصار بالعين ، والسمع بالأُذن ، والتفكّر والإستدلال بالعقل .
وهذه الدعوى كانت تثير السؤال التالي :
إنّ ادّعاء الإدراك عن طريق الوحي ، إدعاءُ أمرٍ خارقٍ للعادة ، فإنّ الإدراكات الإنسانية لا تخرج عن إطار الحسيّات والخياليات والعقليات . فنحن لا نؤمن بقولكم هذا إلّا إذا شاهدنا خرقاً للعادة يماثل ما تدّعون ، حتى نستدلّ بخرق عادة مرئية ، على وجود نظيرها في باطن وجودكم ، وصميم حقيقتكم .
ومن منطلق إجابة هذا السؤال ، كان الأنبياء يفعلون الخوارق ، ويأتون بالمعاجز ، حتى يدللوا بذلك على تمكنهم من خرق العادة مطلقاً ، سواء أكانت مرئية ـ كقلب العصا إلى الثعبان ، وتسبيح الحصى ـ أو غير مرئية ـ كالإدراك غير المشابه للإدراكات العادية ، الذي هو الوحي .
وإن شئت قلت : كانوا يستدلون بخرق العادة الملموسة ، على غير الملموسة منها .
وإلى ما ذكرنا يشير العلامة الطباطبائي رحمه الله بقوله : « إنّ دعوى النبوّة والرسالة من كل نبي ورسول ـ على ما يقصه القرآن ـ إنّما كانت بدعوى الوحي والتكليم الإلهي بلا واسطة ، أو بواسطة نزول ملك ، وهذا أمر لا يساعده الحسّ ولا تؤيّده التجربة ، فيتوجه عليه الإشكال من جهتين : إحداهما من جهة عدم الدليل عليه ، والثانية من جهة الدليل على عدمه . فإنّ الوحي والتكليم الإلهي وما يتلوه من التشريع والتربية الدينية ممّا لا يشاهده البشر في أنفسهم ، والعادة الجارية في الأسباب والمسبَّبات تنكره ، وقانون العليّة العامة لا يجوزه ، فهو أمر خارق للعادة .
فلو كان النبي صادقاً في دعواه
النبوّة والوحي ، لكان لازمه أنّه متصل بما وراء الطبيعة ، مؤيّد بقوة إلهية تقدر على خرق العادة ، وأنّ الله سبحانه يريد
بنبوّته والوحي إليه ، خرق العادة . فلو كان هذا حقاً ، ولا فرق بين خارق وخارق ، كان من الممكن أن يصدر من النبي خارق آخر للعادة من غير مانع ، وأن يخرق