الطبيعة ، والقائلون بها جماعة من متجددي المسلمين ، انسحبوا أمام هذه الحضارة ناسين شخصيتهم الإسلامية ، فلجأوا إلى تفسير عالم الغيب والنبوة والدين والوحي بتفسيرات ملائمة للأُصول المادية ، حتى يَجْبُروا مركّب النقص في أنفسهم من هذه الزاوية ، ويصيحوا على رؤوس الأشهاد بأنّ أُصول الدين لا تخالف الأُصول العلمية الحديثة .
ولو صحّت هذه النظرية ، لم يَبْقَ من الإعتقاد بالغيب إلّا شيء واحد ، وهو الإعتقاد بوجود الخالق الباريء ، وأمّا ما سوى ذلك ، فكلُّه بأجمعه نتاج الفكر الإنساني الخاطيء وبالنتيجة ، لا يبقى إذعان بشيء مما أتى به الأنبياء من الأصول والمعارف في الدنيا والآخرة . وهذا في الواقع نوع إنكار للدين ، لكن بصورة لا تخدش العواطف الدينية .
وثانياً : إنّ قسماً مما يقع به الوحي ويخبر به النبي ، الإنباء عن الحوادث المستقبلية ، إنباءً لا يخطيء تحققه أبداً .
أفترى هل يجرؤ نابغة من نوابغ المجتمع على الإنباء بنزول العذاب قطعاً بعد أيام ثلاثة ، ويقول : ( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) (١) .
أو يخبر بهزيمة جيوش دولة عظمى في مدة لا تزيد على تسع سنين ويقول : (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ . . . ) (٢) .
إنّ النوابغ وإن سَمَوْا في الذكاء والفطنة ، لا يخبرون عن الحوادث المستقبلية إلّا مع الإحتياط والترديد ، لا بالقطع واليقين وأمّا رجالات السياسة ، اللاعبين بحبلها لمصالحهم الشخصية ، سواء صدقت تنبؤاتُهم أم كذبت ، فإنّ حسابَهم غيُر حساب النوابغ .
__________________
(١) سورة هود : الآية ٦٥ .
(٢) سورة الروم : الآيات ١ ـ ٤ . والبِضْع من العدد من ثلاثة إلى تسعة .