قالوا : وهي التي تهديه بالخواطر الجيّدة من خلال حُجُبِهِ الجسمية الكثيفة ، وهي التي تعطيه الإلهامات الطيبة الفجائية في الظروف الحرجة . وهي التي تنفث في روع الأنبياء ما يعتبرونه وحياً من الله ، وقد تظهر لهم متجسدة فيحسبونها من ملائكة الله هبطت عليهم من السماء .
قالوا : وهذه الشخصية الباطنة أصبحت مُدْرَكَةً بالحسِّ ، فإنَّ ظهور النائم نوماً مغناطيسياً ، بهذا المظهر من العقل الراجح ، والفكر الثاقب ، والنظر البعيد ، واكتشافه لخفايا الأُمور ، وجولانه في الأقطار البعيدة ، بينما يكون هو جاهلاً غبياً في حالاته العادية ، أدلّ دليل على أنّ للإنسان شخصية تحجبها هذه الحياة الجسدية ، ولا تظهر إلّا إذا وقع جسمه في نوم طبيعي أو صناعي .
وهناك أمور أخرى تدلّ بالحس على وجود تلك الشخصية ، درستها الجمعية وحققت تجارب الذين درسوها :
فقد كتب الأُستاذ الدكتور « ميرس » ، فصولاً ضافية في التنويم المغناطيسي ، والعبقرية ، والوحي ، والشخصية الباطنة ، فذكر الحاسبين على البديهية ، وهم طائفة من الناس ، تلقى عليهم أعوص المسائل الرياضية التي تحتاج إلى زمن طويل في الحساب والعمل ، فيجيبون عليها على الفور ، وهم لا يدرون كيف وجد هذا الحلّ في نفوسهم . وهذا الأمر يثبت وجود الشخصية الباطنة بدليل محسوس ، لأنّ الجواب الصحيح عن المسائل الرياضية العويصة ، إن لم تأت به هذه الشخصية العادية ، فلا بدّ أن تكون ثمرة قوى باطنة أخرى لا تنكشف للإنسان إلّا بآثارها هذه .
وحكى العلامة « ميرس » قول العالم الفرنسي « ترودم » : « حدث لي في بعض الأحايين أنّي كنت أجد فجأة برهان نظرية هندسية القيت إليّ منذ سنة ، وذلك من دون أن أعيرها أقل التفات . لعلّه يقال في تعليل ذلك إنّ المعلومات المختَزَنَة في عقلي من مطالعاتي قد نضجت من نفسها ، وولّدت في عقلي البراهين عليها ، من نفسها أيضاً » .
وقال « ميرس » : لقد كتب الشاعر
المشهور « موسيه » عن نفسه يقول :