الخطيرة ، وإن كانت من قبيل السقوط في أعين الناس ، وفقدان الكرامة وإراقة ماء الوجه بحيث لا ترغد الحياة معه .
فإذا كان العلم القطعي بالعواقب الدنيوية لبعض الأفعال يوجد تلك المصونية عن الإرتكاب ، في نفس العالم ، فكيف بالعلم القطعي بالعواقبِ والأُخرويةِ للمعاصي ورذائلِ الأفعال ، علماً لا يداخله ريبٌ ولا يعتريه شكٌ ، علماً تسقط دونه الحُجُب فيرى صاحبُه رَأْيَ العينِ ، ويَلْمِسُ لَمْسَ الحِسِّ ، تَبِعاتِ المعاصي ولوازِمَها وآثارَها في النشأة الأخرى . ذاك العلم الذي قال تعالى فيه : ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ) (١) ، فمِثْلُ هذا العِلم يخلُق من صاحبه إنساناً مثالياً ، لا يخالف قول ربّه قيد أنملة ، ولا يتعدى الحدود التي رسمها له في حياته قدر شعرة ، ولن تنتفي المعصية من حياته فحسب ، بل إنّ مجرّد التفكير فيها ، لن يجد سبيله إليه . وكأنَّ الإمامَ علياً يصف هؤلاء في قوله : « هم والجنّة كمن قد رآها ، فهم فيها مُنعمون » (٢) .
إنّ الإنسان إذا وصل إلى المقام الذي يرى فيه بالعيون البرزخية تبدُّلَ الكنوز المكتنزة من الذهب والفضة ، إلى جمرات ملتهبة تُكوى بها جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم ، يمتنع ـ شهد الله ـ عن كنزها . يقول سبحانه : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ، هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) (٣) .
إنّ قوله سبحانه : ( هذا ما كُنْتُم ) ، يعرب عن أَنَّ النار التي تكوى بها جباه الكانزين وجنوبهم وظهورهم ليست شيئاً غير الذهب والفضة ، وإنّما هي تلك البيضاء والصفراء التي تتجلى بوجودها الأُخروي في تلك النشأة ، فإنّ لها صورتان ، صورةٌ دنيوية معروفة ، وصورةٌ أُخروية هي النيران المحماة .
__________________
(١) سورة التكاثر : الآيتان ٥ و ٦ .
(٢) نهج البلاغة ، خطبة المتقين ، الخطبة ١٩٣ .
(٣) سورة التوبة : الآيتان ٣٤ و ٣٥ .