الرسالة بجوانبها المختلفة ، من تلقي الوحي فوعيه وحفظه ، إلى إبلاغه .
* الآية الأولى : قوله تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ، وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ، وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ (١) .
إنّ هذه الآية تصرّح بأنّ من أهداف بعثة الأنبياء ، القضاء بين الناس فيما اختلفوا فيه . وليس المراد من القضاء إلّا القضاء بالحق ، وهو فرع وصول الحق إلى القاضي بلا تغيير ولا تحريف .
ثم إنّ نتيجة القضاء هي هداية من آمَنَ مِنَ الناس إلى الحق بإذنه ، كما هو صريح قوله : ( فَهَدَى اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ﴾ . والهادي وإن كان هو الله سبحانه في الحقيقة ، لكن الهداية تتحقق عن طريق النبي بوساطته . وتحقق الهداية منه ، فرع كونه واقفاً على الحق بكماله وتمامه . من دون تحريف ولا زيادة أو نقصان . وكل ذلك يستلزم عصمة النبي في تلقّي الوحي وتحمله وإبلاغه إلى الناس .
والحاصل أنّ الآية تدلّ على أنّ النبي يقضي بالحق أوّلاً ، ويهدي المؤمنين إليه ثانياً . وهذا يستلزم كونه واقفاً على الحق على ما هو عليه ، ومبلّغاً له على نحو ما تلقّاه ووعاه .
* الآية الثانية : قوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٢) .
فالآية تصرِّح بأنّ النبي لا يتكلم بداعي الهوى ، والمراد منه إمّا جميع ما يصدر عنه من القول في مجالات الحياة على اختلافها ، كما هو مقتضى إطلاقها ، أو
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢١٣ .
(٢) سورة النجم : الآيتان ٣ و ٤ .