التكاليف ومخاطَباً بها ، فغيره أولى بأن يكون محكوماً بها . وهذه الآيات تجري مجرى قول القائل : « إيّاك أَعني واسْمَعي يا جارة » .
فالمراد من الآية المستدلّ بها هو حثّ المؤمنين على اجتناب الحضور في المجالس التي يخاض فيها في آيات الله سبحانه . فالنهي عن الخوض تكليفٌ عام يشترك فيه النبي وغيره ، وكون الخطاب للنبي لا ينافي كون المقصود هو الأُمة . ويدلّ على ذلك قوله سبحانه في سورة النساء : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ، إِنَّ اللَّـهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) (١) .
فإنّ هذه الآية مدنية ، والآية المستدلّ بها مكية ، وإذا قورنت إحداهما بالأُخرى يستنتج منه أنّ الحكم النازل سابقاً متوجه إلى المؤمنين ، وأنّ الخطاب فيه وإن كان للنبي ، إلّا أنّ المقصود إنشاءُ حُكْمٍ كلّيٍّ شاملٍ لجميع المكلَّفين من غير فرق بين النبي وغيره . ومع ما ذكرناه ، لا يكون في الآية دلالة على تحقق النسيان من النبي ، لأنّها إنّما تدلّ لو كان الخطاب مختصاً بالنبي لا يتعداه .
٢ ـ قال سبحانه : ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا ) (٢) .
المراد من النسيان الإستثناء ، وهو قول « إلّا أن يشاء الله » . والآية استدلالاً وجواباً ـ كسابقتها .
٣ ـ قال سبحانه : ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ) (٣) .
ومعنى الآية : إنّا سنجعلك قارئاً بإلهامِكَ القِراءة ، فلا تنسى ما تَقْرؤه .
__________________
(١) سورة النساء : الآية ١٤٠ .
(٢) سورة الكهف : الآيتان ٢٣ و ٢٤ .
(٣) سورة الأعلى : الآيتان ٦ و ٧ .