إعجازه ، فبحثوا ونقبوا حتى رفعوا اللثام عن وجه إعجازه ، وبيّنوا الدعائم والأركان التي يقوم عليها تفوقه على كلام البشر ، قائلين :
هل يمكن أن يُعَرِّف سبحانه كتابَه النازلَ على نبيّه ، معجزاً وخارقاً ، ويباري الناس ويدعوهم إلى مقابلته والإتيان بمثله ، ثم لا يوجد فيه حتى إشارات إلى ملاك إعجازه ووجه تفوّقه ؟! إنّ مثل هذا لا يصدر عن الحكيم تعالى .
فعلى ضوء ذلك ، لا بُدّ لنا من الإمعان في آيات القرآن الكريم حتى نلمس ونستكشف ملاك إعجازه وخرقه للعادة ، وهذا هو ما نتعاطاه في هذا التحليل والذي تَبَيَّن لنا بعد دراسة ما كتبه المحققون حول إعجاز القرآن ، وبعد الإمعان في نفس آيات الذكر الحكيم ، أن ملاك تفوّقه هو الأمور الأربعة ـ الآتي ذكرها ـ مجتمعةً .
أجل ، إنّ ما نركّز البحث عليه في المقام راجع إلى الإعجاز البياني للقرآن ، الذي كان هو محور الإعجاز في عصر النزول وعند فصحاء الجزيرة ، وبُلغائهم ، وبه وقع التحدي . وأمّا إعجازه من جهات أُخرى ، ككون حامله أمياً ، وكونه مبيِّناً للعلوم الكونية التي وصل إليها البشر بعد أحقاب من الزمن ، أو إخباره عن المُغَيَّبات ، أو كونه مصدراً لتشريع مُتْقَن ومتكامل ، أو غير ذلك من الجهات ، فلا يمكن أن نعدّها أركاناً للإعجاز ، ووجه ذلك أنّ القرآن سَحَرَ العرب من اللحظة الأولى لنزوله ، سواء منهم في ذلك من شرح الله صدره للإسلام ومن جعل على بصره غشاوة . وكان القرآن هو العامل الحاسم في أوائل أيام الدعوة ، يوم لم يكن للنبي حول ولا طول ، ولم يكن للإسلام قوة ولا منعة .
فلا بُدّ أن نبحث عن منبع السحر في القرآن ، قبل التشريع المُحكَم ، وقبل النبوءة الغيبيَّة ، وقبل العلوم الكونية ، وقبل أن يصبح القرآن وحدة مكتملة تشتمل على هذه المزايا . فقليل القرآن الذي كان في أيام الدعوة الأولى ، كان مجرّداً عن هذه الأشياء التي جاءت فيما بعد ، وكان مع ذلك محتوياً على هذا النبع الأصيل الذي تذوقه العرب ، فقالوا إنْ هذا إلّا سحر يُؤْثَر .
إنّنا نقرأ الآيات الكثير في هذه
السور فلا نجد فيها تشريعاً محكماً ، ولا