علوماً كونية ، ولا نجد إخباراً بالغيب يقع بعد سنين ، ومع ذلك سحر عقول العرب وتحدث عنه ابن المغيرة بعد التفكير والتقدير ، بما تحدّث .
لا بدّ إذن أنّ السحر الذي عناه ، كان كامناً في مظهر آخر غير التشريع والغيبيات والعلوم الكونية ، لا بدّ أنّه كامن في صميم النسق القرآني ذاته ، وكان هذا يتجلى من خلال التعبير الجميل المؤثّر المعمّر المصوّر .
وعلى ذلك فالجمال الفنّي الخالص ، عنصر مستقل في إثبات إعجاز القرآن (١) ، ويتجلى ذلك في أمور أربعة تضفى على القرآن ـ مجتمعة ـ إعجازه وتفوّقه ، وهي :
١ ـ فصاحةُ ألفاظه وجمالُ عباراته .
٢ ـ بلاغةُ معانيه وسموُّها .
٣ ـ روعة نظمه (٢) وتأليفه . ويراد منه : ترابط كلماته وجُمَله ، وتناسق آياته ، وتآخي مضامينه ، حتى كأنّها بناء واحد ، متلاصق الأجزاء ، متناسب الأشكال ، لا تجد فيه صَدْعاً ولا انشقاقاً .
٤ ـ بداعة أُسلوبه الذي ليس له مثيل في كلام العرب ، فإنّ لكل من الشعر والنثر بأقسامه ، أسلوباً وسبكاً خاصاً ، والقرآن على أُسلوب لا يماثل واحداً من الأساليب الكلامية والمناهج الشعرية .
وهذه الدعائم الأربع إذا اجتمعت ، تخلق كلاماً له صنع في القلوب ، وتأثير في النفوس . فإذا قرع السمع ، ووصل إلى القلب ، يحسّ الإنسان فيه لذّة وحلاوة في حال ، وروعةً ومهابةً في أخرى ، تقشعر منه الجلود ، وتلين به القلوب ، وتنشرح به الصدور ، وتغشى النفوس خشية ورهبة ووجد وانبساط ، ويحسّ البليغ بعجزه عن المباراة والمقابلة . ولأجل ذلك ، كم من عدو للرسول من
__________________
(١) لاحظ التصوير الفنّي في القرآن الكريم سيد قطب فصل سحر القرآن ، ص ١١ ـ ٢٣ .
(٢) ربما يطلق النظم في كلماتهم ويراد منه الأسلوب والسبك الذي هو الأمر الرابع ، ولأجل ذلك نردفه بالتأليف حتى لا يشتبه المراد .