رجال العرب وفُتّاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله ، فسمعوا آيات من القرآن ، فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم ، أن تَحَوّلوا عن رأيهم الأول ، وركنوا إلى مسالمته ، ودخلوا في دينه ، وانقلبت عداوتهم موالاةً ، وكفرهم إيماناً .
يقول سبحانه : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ ) (١)
ويقول سبحانه : ( اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) (٢) .
ويقول سبحانه : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ) (٣) .
هذا ما يثبته التحليل الآتي لكلٍّ من هذه الدعائم . فليس المُدَّعى كون كل واحدة منها ، وجهاً مستقلاً للإعجاز ، وإنّما المراد أنّ كلّ واحدةٍ منها توجِد أَرْضِيَّةً خاصةً ، ليتشكل باجتماعها كلامٌ معجزٌ خارق ، مُبهر للعقول ، ومدهش للنفوس . فيجد الإنسان في نفسه العجز عن المباراة . والضعف عن التحدّي .
هذا ، وقد نقل السيوطي عن عدّة من المحققين في مسألة إعجاز القرآن أقوالاً كثيرةً (٤) ، غير أنّ بعضها خارج عن الإطار البياني ، الذي نحن بصدد تشريحه ، مثل انطواء القرآن على الإخبار بالمُغَيّبات ، الذي سنذكره في عِداد الشواهد الدالة على أنّ القرآن كتاب إلهي لا بشري ، ولكن لُبّ هذه الأقوال ـ التي ترجع إلى الإعجاز البياني ـ يتلخص في الدعائم الأربع التي اخترناها أساساً للإعجاز .
ولأجل توضيح هذه الدعائم الأربع نأتي بمقدمة نبيّن فيها معنى الفصاحة والبلاغة ، حتى يتبيّن نسبة كل واحدة من هذه الدعائم إلى الأُخرى .
__________________
(١) سورة الحشر : الآية ٢١ .
(٢) سورة الزمر : الآية ٢٣ .
(٣) سورة المائدة : الآية ٨٣ .
(٤) لاحظ الإتقان في علوم القرآن ، ج ٤ ، ص ٦ ـ ١٧ ط مصر ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم .