تستطيع أن تدركه بذوقك . وهذا نظير الخط الحسن ، فإنّه يوجب إقبال الناس على قراءته ، وإمعان النظر في معناه ، بخلاف ما إذا كتب نفس ذلك الكتاب بخط رديء غير واضح .
يقول الإمام يحيى بن حمزة العلوي : « إنّ الفصاحة راجعة إلى الألفاظ ، والبلاغة راجعة إلى المعاني » . ويشرحه في مكان آخر بقوله : « إنّ المزايا الراجعة إلى الألفاظ ، تارة ترجع إلى مفردات الحروف ، وأُخرى إلى تأليفها من تلك الحروف ، وثالثة إلى مفردات الألفاظ ، ومرة إلى مركباتها . فهذه أوجه أربعة لا بدّ من اعتبارها في كون اللفظ فصيحاً » (١) .
ولأجل أنّ لتلاؤم الحروف والكلمات دوراً عظيماً في الفصاحة ، نركّز في هذا البحث ، على الخلو من تنافر الكلمة والكلمات ، بأن لا تكون نفس الكلمة ثقيلة على السمع ، كما لا يكون اتّصال بعضها ببعض مما يسبب ثقلها على السمع وصعوبة أدائها باللسان . وبما أنّ مخارج الحروف مختلفة ، فمنها ما هو من أقصى الحلق ، ومنها ما هو من أدنى الفم ، ومنها ما هو بين ذلك ، فلا بدّ في حصول التلاؤم من مراعاة تلك الصفات ، بأن لا يكون بين الحروف بُعْدٌ شديد ، أو قُرْبٌ شديد ، فعندها تظهر الكلمة أو الكلام سهلاً على اللسان ، وحسناً في الأسماع ، ومقبولاً في الطباع . وهذا إن لم يكن ملاكاً كليّاً لتمييز المتلائم عن المتنافر ، إلّا أنّه ميزان غالبي ، فلاحظ البيتين التاليين ترى الكلام في أحدهما في نهاية التنافر ، وفي الآخر في كمال التلاؤم .
قال الشاعر :
وَقَبْرُ حَرْب بِمكانِ قَفْرُ |
وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ |
فقيل ، إنّ هذا البيت يعسر لأحد أن ينشده ثلاث مرات متواليات دون أن يتتعتع ، لأنّ اجتماع كلماته ، وقرب مخارج حروفها يحدثان ثقلاً ظاهراً ، وإن كانت كلُّ واحدة منها غير مستكرهة ولا ثقيلة .
وقال شاعر آخر :
__________________
(١) الطراز : ص ٢١٤ و ٢٢٠ .