رَمَتْني وسِتْرُ الله بيني وبينَها |
عشيةَ آرامِ الكِناس رَميمُ (١) . |
ولأجل دخالة عذوبة الكلمة وتلاؤم الكلمات في تحقق الفصاحة ، أدرك صيارفة الكلام ، ومشاهير الفصحاء في عصر النبي ما عَبّر عنه الوليد بن المُغيرة بقوله : « إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة » .
يقول الإمام يحيى بن حمزة في شأن تركيب مفردات الألفاظ العربية ، الذي له دور كبير في فصاحة الكلام : « ولا بُدَّ فيه من مراعاة أمرين :
أمّا أولاً : فأن تكون كلّ كلمة منظومة مع ما يشاكلها ويماثلها ، كما يكون في نظام العقد ، فإنّه إنّما يحسن إذا كان كل خرزة مؤتلفة مع ما يكون مشاكلاً لها . لأنّه إذا حصل على هذه الهيئة كان له وقع في النفوس وحسنُ منظر في رأي العين .
وأمّا ثانياً : فإذا كانت مؤتلفة ، فلا بدّ أن يقصد ما وضع لها بعد إحراز تركيبها .
والمثال الكاشف عمّا ذكرناه ، العقد المنظوم من اللئالي ونفائس الأحجار ، فإنّه لا يحسن إلّا إذا أُلّف تأليفاً بديعاً ، بحيث يجعل كل شيء من تلك الأحجار مع ما يلائمه . ثم إذا حصل ذلك التركيب على الوجه الذي ذكرناه ، فلا بدّ من مطابقته لما وضع له ، بأن يجعل الإكليل على الرأس ، والطَوْق في العنق ، والشنف في الأُذن ، ولو ألّف غير ذلك التأليف ، فلم يجعل كل شيء في موضعه ، بَطَلَ ذلك الحُسن . وزال ذلك الرونق » (٢) .
مثلاً : قوله سبحانه : ( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ) (٣) .
إنّ لهذه الآية تميّزاً ذاتياً عن كلام البشر ، لا يتمارى فيه منصف ، ولا يشتبه على من له ذوق في معرفة فصاحة الكلام . وذلك التميز رهن فصاحة أبنيتها ،
__________________
(١) هذا البيت لأبي حية النُمَيْري من شُعراء الحماسة ، لاحظ شرح الحماسة للتبريزي ، طبع محي الدين ، ج ٣ ، ص ٢٦٩ .
(٢) الطراز ، ج ٣ ، ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦ .
(٣) سورة الشورى : الآية ٣٢ .