فالقانون الكامل يبتني على إيجاد عقيدة وإيمان بالغيب ، وبقوةٍ قاهرةٍ كبرى ، تراقب الإِنسان في ليله ونهاره وفي حياته الشخصية وعلاقاته الإِجتماعية ، بالإِضافة إلى ايجاد التنظيمات المادية لمراقبة أعمال الفرد الظاهرية .
واجتماع هذين الأمرين يصنع من الفرد إِنساناً إِجتماعياً يعيش في ظل القانون مراعياً له ولا ينقضه إلا شاذاً ونادراً .
ولو كان المقنِّن ناظراً إلى الجهات الظاهرية فقط ومكتفياً في ضمانات الإِجراء بالتنظيمات الرائجة ، لكان خاسراً في تقنينه ، ولن يَرى له تجسّداً إلا في وضح النهار وأمام أعين القوى البشرية المُجْرِية .
هذه أبرز الجهات الوافية بكمال القانون فهلمّ نرى أين تتحقق هذه الشرائط ، وعند مَنْ ؟ .
أما الشرط الأول ، فإنا لن نجد في صفحة الوجود موجوداً أعرف بالإنسان من خالقه ، فإن صانع المصنوع أعرف به من غيره . يقول سبحانه : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) .
واما الشرط الثاني ، فلن نجد أيضا موجوداً مجرداً عن أي فقر وحاجة وانتفاع سواه سبحانه ، ووجه ذلك أن الإِنسان مجبول على حب الذات ، فهو مهما جرّد نفسه من تبعات غرائزه ، لن يستطيع التخلص من هذه النزعة ، وإِلا لزم أن ينسى نفسه ، ويَخْرُجَ بالتالي من عداد البشر .
وأما الشرط الثالث ، أي تشريع القانون على صرح الإِيمان والإِعتقاد بصحة التشريع ، فلن نجده أيضاً في غيره سبحانه ، لأنه يدعو إلى ربوبية نفسه وعبوديّة غيره ، ويبين للناس أن صلاحهم في إطاعته وشقاءهم في مخالفته وبهذا يسرى قانونُه وتشريعُه في الحياة والمجتمعات البشرية سريان الماء في الشجر والنبات ، ويكون مضمون الإِجراء والتطبيق .
__________________
(١) سورة المُلْك : الآية ١٤ .