أضف إلى ما ذكرنا ، أن التبدل الدائم في القوانين ، والنقض المستمر الذي يورد عليها ، بحيث تحتاج في كل يوم إلى استثناء بعض التشريعات وزيادة اخرى ، إضافة الى تناقض القوانين المطروحة في العالم من قبل البشر ، كل ذلك دالّ على قصورها عن الوفاء بحاجة المجتمعات إليها ، وما ذلك إلا لقصورهم عن معرفة الانسان حقيقة المعرفة ، وانتفاء سائر الشروط في واضعيها .
فتلخص من هذا الدليل أُمور :
الأول : أَنَّ الأنسان يميل إلى الحياة المدنية ، إما لكونه « مدنياً بالطبع » ، أو لكونه « مستخدماً بالطبع » .
الثاني : أَنَّ الحياة الإِجتماعية لا تستقر إلا بتعرف أعضاء المجتمع على وظائفهم وحقوقهم ، وهذا لا يتسنى الّا بالتقنين .
الثالث : أَنَّ مهمة التقنين الشاقة لا يقوم بها إلا من اجتمعت فيه عدّة شروط أهمها : معرفته الكاملة بالأنسان ، وعدم انتفاعه من القانون الذي يجعله ، وأن يبني قانونه على صَرْح الإِيمان .
الرابع : أنّ تلك الشروط لا توجد على وجه الكمال إلّا في الله سبحانه خالق البشر .
فإذا كان استقرار الحياة الاجتماعية للبشر متوقفاً على التقنين الإلهي ، فالواجب في حكمته تعالى إبلاغ تلك القوانين إليهم عبر واحد منهم يرسله إليهم ، ليوقفهم على ما فيه سعادتهم . والحامل لرسالة الله سبحانه هو النبي المنبىء عنه والرسول المبلغ إلى الناس ، ويَثْبُتُ بذلك أنّ بعث الأنبياء واجب في حكمته تعالى حفظاً للنظام المتوقف على التقنين الكامل .
إنّ في الكتاب الحكيم ما يشير إلى هذا الدليل ، وهو قوله تعالى :