والظاهر أنّ حذف المفعول هو لتحاشي خطابه تعالى حبيبه المصطفى في مقام الإيناس ، بقوله : « ما قلاك » ، لما في القلي من الطرد ، والإبعاد وشدّة البغض . وهو في الوقت نفسه أَظهر المفعول في « وَدّعك » ، إذ ليس فيه شيء يُكْرَه ، بل هو يؤذن بالفراق على كُرْه ، مع رجاء العود .
( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ) .
إنّ الآخرة إذا قرنت بالأُولى ، يراد منها اليوم الآخر ، كما في قوله سبحانه : ( فَلِلَّـهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَىٰ ) (١) . وقوله سبحانه : ( فَأَخَذَهُ اللَّـهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ ) (٢) .
ولكن يرجح أن يكون المراد من الآخرة في الآية ، هو الغد المرجو من أيام بعثته ، لتخصيص كونها خيراً في الآية بالنبي الأكرم ، حيث قال : ( خَيْرٌ لَّكَ ) فالآية تبشّر بالمستقبل الزاهر للنبي الأكرم ، وبهذا يتمّ تأكيد نفي التوديع والقلي ، ليذهب عن الأذهان أثر فتور الوحي .
والصلة بين هذه الآية وبين ما تقدمها ، واضح على هذا البيان ، والكلّ كسبيكة واحدة .
( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) .
اللام لتأكيد لزوم العطاء ، وأنّه أمر محقَّق . ( وَلَسَوْفَ ) للتراضي . والجمع بين التوكيد مع التسويف الصريح ، لبيان أنّه موضع عناية ربّه في أمسه وغده ، وأُولاه ، وأُخراه .
وأمّا العطاء الذي يحصل به رضا النبي ، فغير محدّد بشيء . وليس وراء الرضا مطمح ، ولا بعده غاية ، ولا حاجة لتحديد هذا الذي يُرضي الرسول ، حتى تقلّل من روعة ذاك البيان المعجز الذي يتجلى سرّه في إطلاقه العام وانتهائه إلى الرضا .
__________________
(١) سورة النجم : الآية ٢٥ .
(٢) سورة النازعات : الآية ٢٥ ، ولاحظ سورة القصص : الآية ٧٠ ، وسورة الليل : الآية ١٣ .