وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ، وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ) (١) . فقدم هنا الأنْفَس على الأموال ، مع أنّها واردة أيضاً في مجال الجهاد .
فهل هذا للتفنن في العبارة ؟ أو أنّ الحال يقتضي في الآية الأُولى ونظائرها ، تقديم الجهاد بالأموال على الأنفس ، وفي الآية الثانية العكس .
التحقيق هو الثاني ، بل هو المتعين ، لأنّ الآية الأُولى بصدد بيان جهاد المؤمنين بالأموال والأنفس ، ومن المعلوم أنّ الإنسان يبتديء في الجهاد بالعزيز فالأعز ، فيجاهد بماله أولاً ثم بنفسه . وأمّا الآية الثانية فهي بصدد بيان شراء الله سبحانه من المؤمنين ، ومن المعلوم أنّ المشتري يبتغي الأعزّ فالعزيز ، ويختار لنفسه الأغلى فالغالي . والنفوس أغلى من الأموال .
والعجب أنّ القرآن راعى هذه النكتة في جميع الموارد التي ذكر فيها الجهاد بهما (٢) .
٤ ـ يقول سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم عليه السلام : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ، إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٣) فقدم فيها التعليم على التزكية .
ولكن في موضع آخر عكس وقدم التزكية على التعليم ، فقال : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) (٤) . فعكس في هذه الآية وقَدّم فيها التزكية على التعليم .
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ١١١ .
(٢) لاحظ الآيات التاليات : الأنفال : ٧٢ ، التوبة : ٢٠ و ٤١ و ٤٤ و ٨١ و ٨٨ ، الحجرات : ١٥ ، الصف : ١١ .
(٣) سورة البقرة : الآية ١٢٩ .
(٤) سورة الجمعة : الآية ٢ .