مَّحِيصٍ ) (١) .
ففي هذا الإستعراض يتجسم للخيال مشهدان :
الضعفاء الذين كانوا ذيولاً للأقوياء ، وهم ما يزالون في ضعفهم يلجأون إلى الذين استكبروا في الدنيا ، يسألونهم الخلاص من هذا الموقف ، ويعتبون عليهم إغواءهم في الحياة ، متمشين في هذا مع طبيعتهم الهزيلة ، وضعفهم المعروف .
والذين استكبروا ، وقد ذلّت كبرياؤهم وواجهوا مصيرهم ، وهم لا يملكون لذات أنفسهم خلاصاً ، فضلاً عن تابعيهم ، فما يزيدون على أن يقولوا لهم : « لَوْ هدانا الله لَهَدَيْناكُمْ » .
٤ ـ يُعَبَّر عن بطلان أعمال الكافرين بأنّها : « لا وَزْنَ لَها ولا تَنْفَعْ » . كما يعبر عن ضلالتهم الدائمة ، بأنّهم : « لا مَخْرَجَ لهم منها ولا هاديَ لهم فيها » . ولكن في هذا التعبير ركود وسكون لا تَنْتَعش النفس به أبداً .
وأين هو من التعبير القرآني في كلا الموردين ( بطلان أعمالهم ، وإحاطة الضلالة بهم ) الذي تحيا فيه النفس وتتحرك ، وينتعش فيه الحسّ والخيال : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّـهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّـهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٢) .
ويقول : ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ، مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ، مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ، وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ) (٣) .
ففي التعبير الثاني ـ في كلا الموردين ـ صور متينة ساحرة فيها روح القصة ، والخيال العميق .
__________________
(١) سورة إبراهيم : الآية ٢١ .
(٢) سورة النور : الآية ٣٩ .
(٣) سورة النور : الآية ٤٠ .