والباطل كالزبد والفقاعات التي تعلو هذه الأتربة حال غليانها ، التي سرعان ما تنفجر وتتبخر .
فالصورة العامة التي يعطيها هذا المثل ، ترسيم ثبات الحق ودوامه بتشبيهه ، بالماء النازل من السماء ، الجاري في الأودية والوهاد ، الغائر في أعماق الأرض ، ثم الظاهر ، بصورة العيون والينابيع ، التي تستفيد المخلوقات منها في دوام حياتها . وبالمعادن المذابة ، الراسبِ خالصها في أعماق الأفران ، التي يستفيد منها الناس في زينتهم وأمتعتهم .
وكذلك ترسيم سرعة أُفول الباطل بعد نجومه بتشبيهه بالزبد الذي يرغو فوق الماء ، والمعادن المنصهرة ، الذي يتصوره الجاهل شيئاً ثابتاً قائماً ، ولكن ما أسرع اختفاءه وزواله ، فلا يرى منه عين ولا أثر .
وعلى ذلك فللحق ثبات ودوام ، وللباطل جولة وزوال .
ومع هذا ، ففي هذا المثل معانٍ عميقة ، وإشارات دقيقة إلى مكانة كل من الحق والباطل ، نشير إلى بعضها . .
١ ـ إنّ الحق والباطل يتمثّلان في مجال العقيدة ، في الإيمان والكُفْر ، والعَدْل والظُلم .
فبالإيمان بالله تبارك وتعالى تحيا القيم الإخلاقية ، كما أنّ بالكفر موت المثل والفضائل وانعدام الكمالات الإنسانية .
ومثل ذلك العدل والظلم ، ففي ظِلّ العدل تتفجّر الطاقات وتترقى المجتمعات ، وينال كل إنسان الغاية التي يليق بها ، كما أنّ في الظُلم كبت الإستعدادات ، وتقديم المفضول وتأخير الفاضل ، ولن يزال المجتمع الظالم يتدهور إلى أن لا يرى له أثر .
فأشبه الإيمان والعدل ، الماء الذي
به حياة كل شيء ، وخالص المعادن المترسب في قعر أفران الصَّهْر ، إذ عليها تعتمد حياة الإنسان الدنيوية ، وتترتب المنافع الكثيرة ، قال سبحانه : ( وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ