الناس من يكون واسع الصدر ، كامل الإستعداد فيأخذ منه القسط الأكبر ، ومنهم من لا يزيدون عن معشار ذلك .
ويُلَوّح إلى ما ذكرنا آيات كثيرة ، منها قوله سبحانه : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (١) .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ هذه القلوب أوعيةٌ ، فخيرها أوعاها » (٢) .
٤ ـ إنّ الباطل في ثورانه وجولانه في أمده القصير ، فرع اعتماده على الحق ، واتّخاذه واجهة لأعماله . فلو تجرّد عن الحق بالكلية ، لما كان له حتى هذا السهم القصير ، كالزبد لا يتجلى إلّا بركوبه الماء ، كما أشار إليه سبحانه بقوله : ( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا ) (٣) .
٥ ـ إنّ الباطل لا يظهر إلّا في الأجواء الصاخبة والمجتمعات المتضاربة . كالزبد الذي لا يظهر إلّا عند تدفق المياه واجتياحها القنوات الضيقة ، فإذا انتهت إلى السهول الفسيحة ، زال الزبد شيئاً فشيئاً ، ولا يبقى بعده إلّا الماء الزلال . وكذلك الزبد الناجم عند عملية الصهر ، فطالما أنّ المعادن في حالة الغلي والفَوَران يكون الزبد على وجهها ، فإذا هدأت النار وتوقف الغليان لم يبق إلّا المعادن الخالصة .
فهذه بعض التصويرات للمفاهيم القيمة العميقة التي جاءت بها هذه الآية المباركة على وجازتها ، وكلما تعمّق الإنسان فيها انفتحت له أبواب من المعارف
__________________
(١) سورة الحجر : الآية ٢١ .
(٢) نهج البلاغة ، قِصار الكَلِم ، رقم ١٤٧ .
(٣) خذ على ذلك شاهداً ما يستتر به الرأسماليون في نهبهم لثروات بلدانهم من الأقنعة الحقة ، كإنشاء النقابات لعمّالهم ، والضمان الإجتماعي وضمان الشيخوخة والتقاعد ، وغير ذلك الكثير . وما تتستر به الحكومات الإستعمارية من عناوين حقة ، كرعاية حقوق الإنسان ، ونبذ التمييز العنصري ، ومكافحة الإرهاب ، وحرية الرأي والتعبير ، وغير ذلك ، وكله لتغطية الوجه القبيح لإرهابهم وامتصاصهم لثروات الشعوب المستضعفة ، وتضعيف عقائدهم ، والمسّ بمقدساتهم . . .