قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) (١) ، تنبيهاً على أن تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر ، فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحال الكتب الأخرى » (٢) .
وممّا يدلّ على أنّ القرآن ليس كلام النبي الأعظم هو وجود البون الشاسع بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث النبوي . فمن قارن آية من القرآن الكريم مع الأحاديث القطعية الصادرة منه صلى الله عليه وآله ، أحس مدى التفاوت البعيد بين الأسلوبين ، وآمن بأنّ أسلوب التنزيل يغاير أسلوب الحديث . وهذا يدلّ على أنّ القرآن ينزل من عالم آخر على ضمير النبي ، بينما الحديث يتكلم به النبي من إنشاء نفسه .
وعلى الجملة ، جاء القرآن في ثوب غير الأثواب المعروفة للكلام عند العرب ، وفي صورة غير الصور المألوفة ، جاء نسيج وحده ، وصورة ذاته ، لا يشبه غيره ، ولا يشبهه غيره . فلا هو شعر ، ولا هو نثر ، ولا هو من قبيل سجع الحكماء أو العرّافين والكُهّان .
والذي يمكن أن يقال إنّه قرآن فصّلت آياته ، وكل آية لها مقطع تنتهي به ، وهو الفاصلة ، وهذه هي الظاهرة المحسوسة فيه ، يقف عليها من يتصل بالقرآن الكريم ، قارئاً كان أو مستمعاً ، مؤمناً كان أو غير مؤمن .
وأنت إذا أردت أن تلمس الأسلوب القرآني عن كثب ، وتقف عليه وقوف لامس للحقيقة ، ومستكشف لها عن قرب . فلاحظ موضوعاً واحداً ورد في القرآن المجيد ، وفي كلام النبي الأعظم أو الوصي . فكلاهما يهدفان إلى أمر واحد ، ولكن لكل أُسلوبه الخاص لا يختلط أحدهما بالآخر .
يقول الرسول صلى الله عليه وآله في وصف الغفلة عن الآخرة : « وكأنّ
__________________
(١) سورة فصلت : الآيتان ٤١ و ٤٢ .
(٢) الإتقان ، ج ٤ ، ص ١١ . وهو يشير إلى أنّ التغيير في القرآن يوجب التغيير في تأليفه أوّلاً ، وأُسلوبه ثانياً .