اشتملت على عشرات الأنواع من المحسنات البديعية ، بينما هي لا تتجاوز سبعة عشر لفظاً . وإليك الإشارة إلى بعضها :
١ ـ المناسبة التامة بين « إِبْلَعي وأَقْلِعي » .
٢ ـ الإستعارة فيهما .
٣ ـ الطِّباق بين الأرض والسماء .
٤ ـ المجاز في قوله : « يا سماء » . فإنّ الحقيقة يا مطرَ السَّماء .
__________________
= وابن المقفع ، عند بيت الله الحرام يستهزئون بالحاج ، ويطعنون بالقرآن فقال ابن أبي العوجاء : « تعالوا ننقض كلُّ واحد منا ربع القرآن وميعادنا من قابل في هذا الموضع ، نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كلِّه ، فإنّ في نقض القرآن إبطال نَبوَّة محمد ، وفي إبطال نبوَّته إبطال الإسلام ، وإثبات ما نحن فيه » . فاتّفقوا على ذلك وافترقوا .
فلما كان من قابل ، اجتمعوا عند بيت الله الحرام ، فقال ابن أبي العوجاء : « أمّا أنا فمتفكر منذ افترقنا في هذه الآية : ( فلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ) ( سورة يوسف : الآية ٨٠ ) ، فما أقدر أن أَضُمَّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً ، فشغلتني هذه الآية عن التفكر في سواها » .
وقال عبد الملك : « أنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ، وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) ( سورة الحج : الآية ٧٣ ) ، ولم أقدر على الإتيان بمثلها » .
فقال أبو شاكر : « أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ) ( سورة الأنبياء : الآية ٢٢ ) ، ولم أقدر على الإتيان بمثلها .
فقال ابن المقفع : « يا قوم إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر ، وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية : ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ، وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ( سورة هود : الآية ٤٤ ) ، لم أبلغ غاية المعرفة بها ، ولم أقدر على الإتيان بمثلها » .
قال هشام بن الحكم : فبينما هم في ذلك إذ مر بهم جعفر بن محمد الصادق (ع) فقال : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ( سورة الإسراء : الآية ٨٨ ) .
فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، وقالوا لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهى أمر وصية محمد إلّا إلى جعفر بن محمد ، والله ما رأيناه قطُّ إلّا هِبْناه ، واقشعرت جلودنا لِهَيْبَتِه . ثم تفرّقوا مُقرِّين بالعجز . ( الإحتجاج للطبرسي ، ج ٢ ، ص ١٤٢ ـ ١٤٣ ، ط النجف الأشرف ) .