سرده لقصة غرامية ، هي قصة يوسف وزُلَيْخاء ، قِصَّةُ عشق امرأة حسنة فاتنة ، لفتى طاهرٍ جميلٍ ، يُخْجِل وجهُهُ القَمرَ .
إنّ الكاتب في حقل القصص عندما يسرد أمثال هذه القصة الغرامية ، لا يملك زمام قلمه ، ويخرج عن النزاهة والعفة ، ولكن القرآن قد شرح تلك القصة وصوّرها ووضع خطوطها الغرامية بدقة فائقة في البيان ، مع وافر الإحتشام والإتزان .
فعندما يعرض اجتماع هذه المرأة الجميلة ، مع ذاك الشاب الطاهر ، واختلاءهما في بيتها ، وتعلّقها به ، يشرح تلك الواقعة من غير أن يثير الغريزة الجنسية الحيوانية ، لئلا يناقض هدفه الذي لأجله جاء بها ويقول :
( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ ، وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ، قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) (١) .
ففي هذه الآية تتجلى عفة القرآن واحتشامه من جهات :
أولاً : استعمل كلمة « راود » ، وهي تستعمل في الإصرار على الطلب مع اللّين والعطف ، فكأنّ زليخا طلبت من يوسف ما طلبت بإصرار وحنان .
وثانياً : لم يصرّح باسم المرأة ، حفظاً لكرامتها ، وإنّما عبّر عنها بقوله : « التي هو في بيتها » ، مشيراً ـ إضافة إلى ذلك ـ إلى قوة الضغط وشدّة سيطرتها على يوسف ، فزمام أمره بيدها ، ولا مجال للهروب والتخلّص منها ، لأنّه في بيتها .
وثالثاً : قالت الآية : ( وغَلَّقَتِ الْأَبْواب ) ، إعراباً عن أَنّ يوسف لم يجد باباً للفرار ، وكانت مقدمات الإستسلام مهيئة .
ورابعاً : وقالت الآية : ( هَيْتَ لَكَ ) ، وهذه كناية عن دعوتها إيّاه إلى التلذذ الجنسي ، لكن بكناية فائقة ، فإنّ هَيْتَ لك ، اسم فعل بمعنى هَلمّ .
__________________
(١) سورة يوسف : الآية ٢٣ .