خامساً : أجاب يوسف طلبها بقوله : ( مَعَاذَ اللَّـهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ) ، أي أعوذ بالله معاذاً . فيعرب عن أنّ يوسف لم يعرف خيانة ، ولم يَدُرْ بخلده أنْ يخون صاحبه ( العزيز ) ومُنْعِمَه ومربّيه ، في امرأته . والضمير في « إنّه » ، يرجع إلى « العزيز » . ولأجل ذلك بعدما اتّضحت الحقيقة ، وبانت خيانة الإمرأة ، أرسل يوسف من أعماق زنزانته إلى الملك ، ووزيره « العزيز » ، بقوله : ( ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) (١) .
وفي القصة مسرحية غرامية أُخرى هي دعوة إمرأة العزيز ، نِسْوَةَ أَشرافِ المدينة ، إلى مأدُبة ليقفن على بهاء جمال هذا الفتى ، وأَنّ التعلق به ليس أَمْراً اختيارياً ، بل كل من رآه يتعلق فؤاده به في أول لقاء . ويحكيه القرآن بقوله :
( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ، إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ، وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ، وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (٢) .
أنظر إلى العفة والإحتشام في التعبير عن جمال يوسف حيث قال : ( أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) .
كل ذلك يعرب عن أنّ القصة سُردت على أساس الدعوة إلى العفة والعبرة ، والإنصراف عن الإنهماك في الشهوات . فهل يستطيع إنسان أُمِّي ، غير متعلم ، ترعرع بين شعب متوحش ، أن يعرض تلك المسرحية الغرامية ، ولا يخرج عن حدود العفة ونطاق النزاهة ؟ كلا ، لا (٣) .
__________________
(١) سورة يوسف : الآية ٥٢ . لاحظ الميزان ، ج ١١ ، ص ٢١٥ .
(٢) سورة يوسف : الآيتان ٣٠ و ٣١ .
(٣) أضف إلى ذلك أنّ القرآن يستمد في بيان ما يستقبح
التصريح به ، بالكلمات الكنائية ، ككلمات « الفَرْج » ( لاحظ المؤمنون : الآية ٥ ) و « الغائط » ( المائدة : الآية ١٦ )
فإنّ الفرج ليس عَلَماً للموضع الخاص من المرأة ، وإنّما يراد منه الخلل بين الشيئين . كما أنّ الغائط ،
بمعنى الموضع المنخفض ، وقس على ذلك غيرها من الكلمات التي جاءت في بيان المسائل الراجعة إلى
الزوج =