وسابعاً : فلو كان عجز العرب عن المقابلة ، لِطاريءٍ مباغتٍ أبطل قواهم البيانية ، لأُثر عنهم أَنَّهم حاولوا المعارضة ففوجئوا بما ليس في حسبانهم ، وَلَكان ذلك مثار عجب لهم ، ولأعلنوا ذلك في الناس ، ليلتمسوا العُذْر لأنفسهم وليقللوا من شأن القرآن في ذاته (١) .
وقد أشار إلى هذا الوجه علي بن عيسى الرماني في نكت الإعجاز ، كما أشار إليه الإمام يحيى بن حمزة العلوي ، قال : « إنّهم لو صُرفوا عن المعارضة مع تمكنهم منها ، لوجب أن يَعْلَموا ذلك من أنفسهم بالضرورة ، وأنْ يُمَيِّزوا بين أوقات المنع والتخلية . ولو علموا ذلك ، لوجب أن يتذاكروا في حال هذا المعجز على جهة التعجّب . ولو تذاكروه ، لظهر وانتشر على حدّ التواتر . فلمّا لم يكن ذلك ، دَلّ على بطلان مذهبهم في الصرفة » (٢) .
وثامناً : فإنّ القول بالصرفة ، يستلزم القول بأن العرب قد تراجعت حالها في الفصاحة والبلاغة ، وفي جودة النظم وشرف الأسلوب وأن يكونوا قد نقصوا في قرائحهم وأذهانهم ، وعدموا الكثير ممّا كانوا يستطيعون ، وأن تكون أشعارهم التي قالوها ، والخطب التي قاموا بها من بعد أن أوحى الله إلى النبي ، قاصرةً عمّا سمع منهم من قبل ذلك ، القصور الشديد ، وأن يكون قد ضاق عليهم في الجملة مجال كان يتسع لهم ، ونضبت عنهم موارد قد كانت تغزر ، وخذلتهم قوى كانوا يصولون بها ، وأن تكون أشعار شعراء النبي التي قالوها ، في مدحه عليه السلام ، وفي الردّ على المشركين ، ناقصة متقاصرة عن شعرهم في الجاهلية ، وأن يكون شعر حسان بعد الإسلام دون شعره قبله ، والكل كما ترى .
وتاسعاً : فإنّ الظاهر من مذهب الصرفة أنّ النقصان حدث فيهم من غير أن يشعروا به ، ولازمه أن لا تتم الحُجَّة عليهم ، لأنّهم وإن عدموا فضلهم في مجال الفصاحة والبلاغة ، لكنهم غير شاعرين بهذا النقصان . وإذا كانوا لا يعلمون أنّ كلامهم الذي يتكلمون به بعد التحدّي ، قاصرٌ عن الذي تكلموا به أمس ،
__________________
(١) لاحظ مناهل العرفان في علوم القرآن ، للزرقاني ، ج ٢ ، ص ٣١٤ .
(٢) الطراز ، ج ٣ ، ص ٣٩٣ .