المسلمين عن السلاح الذي كانوا يحتجون به عليهم .
ومع ذلك ، فهناك قرائن تلقي الضوء على أنّ المُبَشَّر به هو الرسول الأعظم ، لا روح القدس ، وإليك تلك القرائن :
١ ـ إنّ المسيح بدء خطابه إلى تلاميذه بقوله : ( إِن كنتم تحبونني ، فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم « معزياً » آخر ، ليمكث معكم إلى الأبد ) .
وهذا الخطاب يناسب أن يكون المُبَشِّر به نبياً ، لأنّ المسيح يحتمل ـ في هذا الكلام ـ أن يتخلّف عدّة منهم عن اقتفاء أثره ودينه ، ولذلك أثار عواطفهم في هذا المجال لئلا يتخلّفوا . ولو كان المراد منه روح القدس لما احتاج إلى تلك المقدمة ، لأنّ تأثيره في القلوب تأثير تكويني لا يمكن لأحد التخلّف عنه ، ولا يبقى في القلوب معه شكٌّ ، وهذا بخلاف تأثير النبي فإنّه يؤثر ببيانه وكلامه في القلوب والأرواح ، وهو يختلف حسب اختلاف طبائع المخاطبين واستعدادهم .
ولأجل ذلك أصرّ على إيمانهم به في بعض خطاباته وقال : ( وقلت لكم الآن قبل أن يكون ، حتى متى كان تؤمنون ) (١) .
٢ ـ إنّه وصف المُبَشَّر به بلفظ « آخر » ، وهذا لا يناسب كون المبشر به نظير روح القدس لعدم تعدده ، وانحصاره في واحد ، بخلاف الأنبياء فإنّهم يجيئون واحداً بعد الآخر ، في فترة بعد فترة .
٣ ـ إنّه ينعت ذلك المبشر به بقوله : ( لِيَمْكُثَ معكم إلى الأبد ) وهذا يناسب نبوة النبي الخاتم التي لا تُنْسخ .
__________________
= الجميع معاً بنفس واحدة ، وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة ، وملأ كلّ البيت حيث كانوا جالسين ، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنّها من نار ، واستقرّت على كل واحد منهم ، وامتلأ من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أُخرى ، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا ) . وسيوافيك عند التحليل أنّه لم يتحقق في يوم الدار هذا كلَّ ما ذكره المسيح ومنه قوله : « يبكت العالم على خطيّة الخ . . » .
(١) إنجيل يوحنا ، الأصحاح الرابع عشر : الجملة ٢٩ ، ط دار الكتاب المقدس .