وهذا الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام ، يصف وضع العرب الجاهليين في بعض خطبة ، ويقول :
« وأنتم معشر العرب على شَرِّ دينٍ ، وفي شَرِّ دار ، منيخون بين حجارة خشن ، وحيّات صم ، تشربون الكدر ، وتأكلون الجشب ، وتسفكون دماءكم ، وتقطعون أرحامكم ، الأصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة » (١) .
فهذه الأُمة ، على هذه الحال وهذه الأوصاف ، تحولت إلى أُمّة ، عالمة ، أرست قواعد الحضارة الإنسانية في مدّة قصيرة ، وأخذت تكسح العراقيل أمامها ، وتزعزع عروش الطواغيت في مشارق الأرض ومغاربها ، حتى أرست بنيان دولة عظيمة ، صارت همزة وصل بين الحضارة اليونانية القديمة والحضارة الصناعية الحديثة .
* * *
هذه دراسة إجمالية للدعوة المحمدية ، وتبيين القرائن الموجودة فيها ، والكُلُّ يشهد على أنّ الداعي كان صادقاً في دعوته محقّاً في نبوته ، وهذا الطريق الثالث الذي سلكناه على وجه الإجمال ، قابل للبسط والإسهاب . ففي وُسع المحققين في الحياة النبوية والملمّين بكتابه وسنته ، أن يشقوا هذا الطريق يشكل مسهب ، حتى يتجلى صدق دعوته تَجَلِّيَ الشمسِ في رائعةِ النَّهار .
* * *
وبهذا البحث نختم البحث عن أصل النبوة الخاصة ، وأمّا سمات دعوته من حيث كونها أقليمية أو عالمية ، وكونها مرحلية أو خاتمة للرسالات ، فالبحث عنه على عاتق علم التفسير . غير أنّ الإحالة ، لما كانت عن المحذور غير خالية ، نبحث فيما يلي عن تينك السِّمَتَيْن بوجه الإجمال (٢) .
* * *
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٥ .
(٢) من أراد تفصيل البحث ، فبإمكانه الرجوع إلى ما دَوّنه الأُستاذ دام ظلّه في موسوعته التفسيرية ، « مفاهيم القرآن » ، ج ٣ ، ص ٤١ ـ ٧٦ في العالمية ، وص ١١٩ ـ ٣١٦ في الخاتمية .