لمنكري عالمية الرسالة ، وهدف الآية أنّ فكرة الشعب المختار ، أو كون النجاة رهن الإنتساب والتسمية ، أو اختصاص الهداية بإحدى الطائفتين ، أمر باطلٌ لا أساس له ، فإنّ النجاة والجنة يَعُمّان جميع البشر وجميع الطوائف ، إذا كانوا مؤمنين بالله واليوم الآخر ، وعاملين بالصالحات ، من غير فرق بين إنسان وإنسان ، وشعب وآخر ، فلا استعلاء ولا تفوق لطائفة على غيرها ، ولا الإنتساب والتسمية ينجيان أحداً في العالم ، ولا الهداية رهن اعتناق أحد المذهبين ، وإنّما النجاح والفوز والصلاح في الإيمان والعمل الصالح . وهذا الباب مفتوح في وجه كل إنسان ، يهودياً كان أو نصرانياً أو صابئياً .
فالآية بصدد تفنيد هذه المزاعم ، وأمّا الإعتراف بإقرار الإسلام لشرعية الشرائع السابقة ، بعد ظهوره ، فليس لها دلالة على ذلك ولا إشعار ، بشرط التوقف والإمعان في الأفكار التي كانت الطائفتان تتبناهما .
وممّا يوضح المراد من هذه الآية ، قوله : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ، وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) (١) . فتصرّح الآية بانفتاح أبواب الجنة في وجه البشر ، من غير انحصار بجماعة دون جماعة ، حتى أنّ أهل الكتاب لو آمنوا بما آمن به المسلمون ، لقبلنا إيمانهم ، وكفرنا عنهم سيئاتهم .
ومثله قوله سبحانه في سورة العصر : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٢) .
وأمّا كفاية الإيمان والعمل الصالح ، فقط ، وعدم لزوم شيء آخر من المعارف والعقائد والأعمال ، فليست الآية ، بصدد بيانها نفياً أو إثباتاً ، وإنّما يُرجع فيها إلى الآيات الأُخر .
وإذا أردت أن تصوغ الجواب في أُسلوب منطقي ، فقل : إنّ الحصر في
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ٦٥ .
(٢) سورة العصر .