التحوّل يدبّ في جميع شؤون الإنسان ، وأمّا إذا قلنا بأنّ للإنسان ـ مع قطع النظر عمّا يحيط به من الظروف المختلفة ـ روحيات وغرائز لا تتغير أبداً ، ولا تَنْفَكُّ عنه ، وهي في الحقيقة مشخصات تكوينية له ، بها يتميز عن سائر الحيوانات ، فالشبهة مندفعة من رأس ، فإنّ القوانين والسنن الراجعة إليها ، تكون ثابتة خالدة ، حسب خلودها ، إذا كانت موافقة لما تقتضيه .
توضيحه : إنّ السائل قد قصر النظر على ما يحيط بالإنسان من الظروف المختلفة المتبدلة ، التي هي نتيجة تكامل الحضارات والمجتمعات ، وذهل عن أنّ للإنسان غرائز ثابتة وروحيات خالدة ، لا تستغني عن قانون ينظّم اتجاهاتها وتشريعٌ يعدِّلها ، ويصونها عن الإفراط والتفريط ، فبما أنّ هذه الغرائز والفطريات ، لا تمسّها يد التغيّر ، فالتشريعات المطابقة لمقتضى الفطرة ، والصالحة لهدايتها ، تخلد بخلودها وتثبت بثبوتها ، فلو كان السائل واقفاً على أنّ الإنسان مركب من مشخصات تكوينية أبدية ، ومشخصات طارئة متغيرة ، لوقف على أنّ القوانين الراجعة إلى هداية الفطرة وتعديلها ، تَثْبُت على جبين الدَّهر ، ما دام الإنسان إنساناً ، وأمّا القوانين الراجعة إلى المشخصات الطارئة المتحولة ، فلا تصلح للخلود والثبات . وإليك فيما يلي أمثلة لما ذكرناه .
١ ـ الروابط العائلية ، كرابطة الولد بوالديه ، والأخ بأخيه ، هي روابط طبيعية ، لوجود الوحدة الروحية ، فالسنن الراجعة إلى تنظيم هذه الروابط ، من التوارث أولاً ، ولزوم التكريم والصِّلة ثانياً ، من الأحكام التي لا تتغيّر بتغيّر الزمان ، فلا تجد مجتمعاً ينادي بقطع التوارث بين الوالد والولد ، أو قطع الحضانة بين الأُم وولدها ، أو ما شابه ذلك .
٢ ـ إنّ التفاوت بين الرجل والمرأة أمر طبيعي محسوس ، فهما موجودان بشريان مختلفان اختلافاً عضوياً وروحياً ، على رغم كل الدعايات السخيفة التي تريد إزالة كل تفاوت بينهما . ولأجل ذلك إختلفت أحكام كل منهما عن الآخر اختلافاً يقتضيه طبع كل منهما . فإذا كان التشريع مطابقاً لفطرتهما ومسايراً لطبعهما ، ظلّ ثابتاً لا يتغير بمرور الزمان لثبات الموضوع المقتضي لثبات محموله .
٣ ـ الإنسان بما هو موجود إجتماعي ،
يحتاج لحفظ حياته وبقاء نسله ، إلى