العيش الإجتماعي ، والحياة العائلية ، وهذان الأمران من أُسس حياة الإنسان ، ما برحت تقوم عليهما ـ في جمله ما تقوم عليه ـ منذ تكون الإنسان .
ومن المعلوم أنّ الحياة الإجتماعية والعائلية ، ليستا غنيتين عن التشريع لتنظيمهما ، فلو كان التشريع حافظاً لحقوق الأفراد ، خالياً عن الظلم والجور ، مبنياً على مِلاكات واقعية ، يدوم هذا القانون ، ما دام مرتكزاً على العدل والصلاح .
٤ ـ التشريع الإسلامي حريص جداً على صيانة الأخلاق وحفظها من الضياع والإنحلال ، ومما لا يشك فيه أنّ الخمر والميسر ، والإباحية الجنسية ، ضربات تقصم ظَهْر الأخلاق وتقضي عليها ، فالخمر يزيل العقل ، والميسر يُنبت العداوة في المجتمع ، والإباحية الجنسية تُفْسد الحرث والنسل ، فالأحكام الراجعة إليها ثابتة دائماً .
وحصيلة البحث أنّ تطور الحياة الإجتماعية في بعض نواحيها ، لا يوجب أن يتغير النظام السائد على مقتضى الفطرة ولا أن تتغير الأحكام الموضوعة على طبق ملاكات واقعية من مصالح ومفاسد كامنة في موضوعاتها ، فلو تغيّر لون الحياة في وسائل الركوب ، والنقل ، ومعدات التكتيك الحربي ، و . . ، فإنّ ذلك لا يقتضي أن تنسخ أحكام الفطرة أو تنسخ حرمة الظلم ، ووجوب العدل ، ولزوم أداء الأمانة ، والوفاء بالعهود والأَيْمان ، إلى غير ذلك من الأحكام الراجعة إلى التحسين والتقبيح العقليين ، التي يستقل العقل ببقاء أحكامهما ما دام الموضوع موضوعاً .
أجل ، إنّ تقلب الأحوال ، وتحوّل الأوضاع الإجتماعية يتطلب تحولاً في السنن والأنظمة ، وتبدّلاً في الأحكام والقوانين ، غير أنّه لا يتطلب تحوّلاً فيما يمسّ واقعية الإنسان الثابتة في جميع الظروف ، كما لا يتطلب تحوّلاً في القوانين الكونية التي تدير الكون بأُصولها الثابتة ، فلا تتغير النسب الرياضية ، ولا القواعد الهندسية ، وإن تطورت الأوضاع وتحولت (١) .
__________________
(١) قد مضى عند البحث في الشاهد الخامس من شواهد إعجاز القرآن الكريم ، وهو اتقان التشريع والتقنين ، ما يفيدك ، فراجع .