إلى قائل بانه ليس بمؤمن ولا كافر ، بل في منزلة بين المنزلتين ، ويعاقب أقل من عقاب الكافر ، إلى ثالث بأنه مؤمن فاسق . وتلت هذه المسألة مسألة حدوث كلامه سبحانه أو قدمه فأحدثت بين المسلمين ضجة كُبرى ، وصارت مبدءً لمحنة أو محن . وفي عرض هذه المسألة إرتفع النقاش حول الصفات الخبرية الواردة في الكتاب والسنة ، كاليد ، والعين والإِستواء على العرش إلى غير ذلك من الصفات .
ثم إنه كلما ازداد الاحتكاك الثقافي بين المسلمين والأجانب ، وشاعت ترجمة الكتب الفلسفية والعقيدية للفرس واليونان وغيرهما ، زاد النقاش والبحث حولها ، لاصطكاك بين تلك الآراء وما جاء به القرآن والسنة ، فلم يجد المسلمون في تلك الاجيال إلا التدرع بالبراهين العقلية حتى يصونوا بذلك حوزة الإِسلام من السهام المرقوشة التي ما زالت تطلق إلى قلب الإِسلام والمسلمين ، ونواميس الدين والشريعة . فشكر الله مساعي الجميع من سنة وشيعة في حفظ الدين وصيانته .
هذا ما قام به القدماء في أداء
وظيفتهم الرساليّة ، لكن التاريخ يشهد بأن قسماً كبيراً من مسائل علم الكلام ، حول المبدأ والمعاد ، وحول التوحيد والعدل ، متخذة من خطَب الإِمام امير المؤمنين عليه السلام ، وانه هو البطل المقدام في دعم هذه الأُصول وإحكامها . ولو اعترفت المعتزلة بأن منهجهم الكلامي يرجع إلى عليٍّ عليه السلام فقد صدقوا في انتمائهم وانتسابهم إلى ذاك المنهل العذب الفياض . وليس عليٌّ وحده من بين أئمة أهل البيت ، أقام دعائم هذا العلم وأشاد بنيانه ، بل تلاه الائمة الأُخر منهم ، كعليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام ( ت ٣٨ ـ م ٩٤ ) ، فقد صقل العقول والأَذهان الصافية بأدعيته المعروفة التي هي لباب التوحيد وصفوة المعارف الإِلهية ، وفيها من العرفان الصافي ما لا يوجد في غيرها . كما أن صادق الأُمة وامامها جعفر بن محمد عليه السلام ( ت ٨٣ ـ م ١٤٨ ) رفع صرح المدرسة الكلامية الموروثة من آبائه وأجداده ، يقف عليه من سبر أحاديثه وكلماته وأماليه ، حتى جاء عصر الإِمام الثامن علي بن موسى الرضا ( ت ١٤٨ ـ م ٢٠٣ ) ، فأضفى على المسائل