يقول الشيخ الرئيس في هذا المجال : « إذا بلغك أنّ عارفاً أطاق بقوته فعلاً ، أو تحريكاً ، أو حركة تخرج عن وسع مثله ، فلا تتلقه بكل ذلك الإستنكار ، فلقد تجد إلى سببه سبيلاً في اعتبارك مذاهب الطبيعة . . . وإذا بلغك أنّ عارفاً حدّث عن غيب فأصاب ، متقدماً ببشرى أو نذير ، فصدّق ولا يتعسّرن عليك الإيمان به ، فإنّ لذلك في مذاهب الطبيعة أسباباً معلومة » (١) .
ويقول صدر المتألّهين : « لا عجب أن يكون لبعض النفوس قوة إلهية ، فيطيعها العنصر في العالم المادي ، كإطاعة بدنه إياها . فكلّما ازدادت النفس تجرّداً وتشبّهاً بالمباديء القصوى ، إزدادت قوةً وتأثيراً فيما دونها .
فإذا صار مجرّدُ التصوّر سبباً لحدوث هذه التغيرات ( طاعة البدن للنفس ) في هيولىٰ البدن ، لأجل علاقة طبيعية وتعلّق جبلّي لها إليه ، لكان ينبغي أن يؤثّر في هيولىٰ العالم مثل هذا التأثير ، لأجل اهتزازٍ علويٍّ للنفس ، ومحبة إلهية لها ، فتؤثّر نفسه في الأشياء » (٢) .
ويدلّ على أنّ خوارق العادة رهن فعل النفس الإنسانية ، ما ينقله تعالى من أفعال السحرة الواقعة بإذنه تعالى ، وذلك في قوله عزّ من قائل : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ) (٣) .
وهناك من الآيات ما هو أصرح منها في نسبة الخوارق إلى أصحاب النفوس القوية ، كما ورد في أحوال سليمان النبي عند ما طلب من الملأ إحضار عرش ملكة سبأ من اليمن إلى فلسطين قبل أن يأتوه مسلمين . فقال عفريت من الجن إنّه قادر على حمله والإتيان به قبل انفضاض مجلس سليمان ، ولكن مَنْ كان عنده عِلْمٌ من الكتاب قال إنّه قادر على الإتيان به قبل أن يرتد طَرْفُ سُلَيْمانَ إليه ، وبالفعل ، بأسرع من لمح البصر ، كان العرش ماثلاً أمامه .
__________________
(١) الإشارات والتنبيهات ، مع شرح المحقق الطوسي ج ٣ ص ٣٩٧ . وبعدها أخذ الماتن والشارح ببيان قدرة النفس على الأمور الخارقة للعادة .
(٢) المبدأ والمعاد ، ص ٣٥٥ ـ بتصرف .
(٣) سورة البقرة : الآية ١٠٢ .