يقول سبحانه : ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي . . . ) (١) .
بعد هذا كلّه نقول : إذا كان هذا حال الإنسان العادي الذي لم يطرق إلّا باب الرياضة ، أو العارف الذي قام بالفرائض واجتنب المحرمات ، فكيف بمن وقع تحت عناية الله سبحانه ورعايته الخاصة ، وتعليم ملائكته ، إلى أن بلغت نفسُه أعلى درجات القوة والمقدرة ، إلى حدّ يقدر ـ بإرادة ربّانية ـ على خلع الصور عن المواد وإلباسها صوراً أُخرى ، ويَصِيرَ عالمُ المادة مطيعاً له ، إطاعة أعضاءِ بدن الإنسان له .
وفي الذكر الحكيم إشارات إلى هذا المعنى حيث ينسب تعالى الإتيان بالمعجزة إلى نفس الرسول بقوله : ( مَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ) (٢) . فإنّ الفاعل في « يأتي » هو الرسول المتقدّم عليه .
وقد يؤيّد هذا الإحتمال بما ورد في توصيف الأنبياء بأنّهم جند الله ، وأنّهم منصورون في مسرح التحدي ومقابلة الأعداء . قال سبحانه : ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) (٣) . وكون النبي منصوراً في جميع المواضع ، ومنها مواضع التحدي ، يَدُلّ على أنّ له دوراً ودخالة في الإتيان بخوارق العادات .
ونظير ذلك قوله سبحانه : ( كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) (٤) ، فوصف النبي صلى الله عليه وآله بكونه غالباً ، ولا معنى للغالبية إلّا لدخالته في مواضع التحدي .
__________________
(١) سورة النمل : الآيات ٣٨ ـ ٤٠ .
(٢) سورة غافر : الآية ٧٨ .
(٣) سورة الصافات : الآيات ١٧١ ـ ١٧٣ .
(٤) سورة المجادلة : الآية ٢١ .