هذه هي مقترحات القوم ، ونحن نجيب عليها بجوابين : إجماليٍّ وتفصيليٍّ :
إجمال الجواب عن هذه المقترحات ، أنّ النبي صلى الله عليه وآله إنّما لم يأت بها لعدم استجماعها لشرائط الإعجاز ، إذ ليس القيام بالمعجزة من الأمور الفوضوية التي لا تخضع لشرط عقلي أو شرعي . وهذه المقترحات فاقدة لها .
تفصيل الجواب
أمّا الأول ، فإنّ سنة الله الحكيمة في الحياة البشرية إستقرت على أن يصل الناس إلى معايشهم ومآكلهم ومشاربهم عن طريق السعي والجد ، تكميلاً لنفوسهم وتربية لعزائمهم .
فإذا كان مطلوب القوم أن يُفَجِّر لهم النبي ينبوعاً وعيناً لا ينضب ماؤها ، ليستريحوا بذلك من عناء تحصيل الماء ، فهو على خلاف تلك السنة الحكيمة .
نعم ، ربما تقتضي بعض الظروف ـ كإبقاء حياة القوم ـ قيام النبي بذلك ، كما فعل موسى عندما شكى إليه قومه الظمأَ ، فاستسقى الله تعالى لهم ، فأوحى إليه أنْ يضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً (١) ، ولكن مثل هذا لا يعد نقضاً للسنة العامة ، كما أنّ الظروف في مكة لم تكن ظروفاً اضطراريةً .
وأمّا الثاني ، وهو كون النبي مالكاً لجنة من نخيل وعنب يفجّر الأنهار خلالها ، فليس هو طلباً للإعجاز ، وإنّما كانوا يستدلّون بوجود الثروة على عظمة الرجل ، وبالفقر وفقدان المال والإملاق على حقارته ، ولذا قالوا ، كما يحكيه عنهم تعالى : ( لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (٢) .
وعلى هذا ، فإجابة هذا الطلب يكون نوع اعتراف بهذه المزعمة ، إذ ليس هناك رابطة ، عقلية بين كون الرجل صاحب ثروة ، وكونه متصلاً بالغيب . وإلّا
__________________
(١) لاحظ سورة البقرة : الآية ٦٠ .
(٢) سورة الزخرف : الآية ٣١ .