لوجب أن يكون أصحاب الثروات ، أنبياء إذا ادّعوا النبوة .
وأمّا الثالث ، وهو إسقاط السماء عليهم ، فإنّه يضاد هدف الإعجاز ، لأنّ الغاية من خرق الطبيعة هداية الناس لا إبادتهم وإهلاكهم .
وأمّا الرابع ، وهو الإتيان بالله والملائكة ، فقد حكاه عنهم سبحانه في آية أخرى ، بقوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ) (١) .
ومن المعلوم أنّ هذا المقترح ، أمر محال عقلاً ، وممتنع بالذات ، فكيف يقوم به النبي ؟! .
وأمّا الخامس ، وهو كونه صاحب بيت من زخرف ، فيُرَدُّ بما رُدَّ به الإقتراح الثاني .
وأمّا السادس ، وهو طلب رُقِيِّهِ إلى السماء وإنزال كتاب ملموس يقرؤونه ، فإنّ لحن هذا السؤال يدلّ على عنادهم وتعنتهم إذ لو كان الهدف هو الإهتداء ، لكفى طلبهم الأول ـ أعني رُقيّه إلى السماء ـ ولم تكن حاجة إلى الثاني ، ومن المعلوم أنّ النبيّ إنّما يقوم بالإعجاز لأجل الهداية والإرشاد إلى نبوته واتّصاله بعالم الغيب .
ومجموع هذه الأجوبة يوقفنا على أنّ النبيّ لَمْ يجب مطالبهم إمّا لأجل فقدان المقتضي أو لوجود المانع . وعلى ذلك أجاب بما أمره سبحانه أن يجيبهم به ، قائلاً : ( سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا ) .
وهو في هذا الجواب يعتمد على لفظين : « بَشراً » و« رسولاً » . والمراد أنّ هذه الطلبات التي طلبتموها مني إمّا لكوني بشراً ، أو لكوني رسولاً . وعلى الأول فقدرة البشر قاصرة عن القيام بهذه الأمور ، وعلى الثاني ، فهو موقوف على إذنه سبحانه ، لأنّ الرسول لا يقوم بشيء إلّا بإذن مُرْسِلِه ، وليس ها هنا إذن ، لعدم استجماع هذه الطلبات شرائط الإجابة (٢) .
__________________
(١) سورة الفرقان : الآية ٢١ .
(٢) وإذا أردت التفصيل ، فلاحظ « الميزان » ، ج ١٣ ، ص ٢١٧ ـ ٢١٨ .