صاروا ذوي سمع وبصر والمعنى : ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة وان كانوا في الدنيا صما وبكما عن الحق (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يعني ان الكافرين في الدنيا آثروا الهوى على الهدى فهم في ذهاب عن الدين ، وعدول عن الحق والمراد : انهم في الدنيا جاهلون ، وفي الآخرة عارفون حيث لا تنفعهم المعرفة (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) الخطاب للنبي (ص) والمعنى : خوّف يا محمد كفار مكة يوم يتحسر المسيء هلا أحسن العمل ، والمحسن هلا ازداد من العمل ، وهو يوم القيامة ؛ وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، قيل : يا أهل الجنة ، فيشرئبون ينظرون ، وقيل : يا أهل النار ، فيشرئبون فينظرون ، فيجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيقال : هل تعرفون الموت؟ فيقولون : هذا هذا ، وكل قد عرفه ، قال : فيقدم فيذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، قال : وذلك قوله : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) الآية ، ورواه اصحابنا عن أبي جعفر (ع) (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) أي فرغ من الأمر ، وانقطعت الآمال ، وأدخل قوم النار وقوم الجنة وقيل معناه : انقضى أمر الدنيا فلا يرجع إليها الإستدراك الفائت وقيل : معناه حكم بين الخلائق بالعدل ، وقيل : قضي على أهل الجنة بالخلود ، وقضي على أهل النار بالخلود (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) في الدنيا عن ذلك ، ومعناه : انهم مشغولون اليوم بما لا يعنيهم ، غافلون عن أحوال الآخرة (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدقون بذلك ، ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) نميت سكانها فنرثها ومن عليها ، فلا يبقى فيها مالك ومتصرّف (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) أي إلينا يردّون بعد الموت ، أي إلى حيث لا يملك الأمر والنهي غيرنا.
٤١ ـ ٥٠ ـ ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم (ع) فقال (وَاذْكُرْ) يا محمد (فِي الْكِتابِ) أي القرآن (إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً) أي كثير التصديق في أمور الدين (نَبِيًّا) أي عليا رفيع الشأن برسالة الله تعالى (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) آزر (يا أَبَتِ) أي يا أبي (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ) دعاء من يدعوه (وَلا يُبْصِرُ) من يتقرب إليه ويعبده (وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) من أمور الدنيا ، أي لا يكفيك شيئا فلا ينفعك ولا يضرّك (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) بالله والمعرفة (ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي) على ذلك واقتد بي فيه (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) أي أوضح لك طريقا مستقيما معتدلا غير جائر بك عن الحق إلى الضلال (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) أي لا تطعه فيما يدعوك إليه فتكون بمنزلة من عبده (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) أي عاصيا (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) أي يصيبك عذاب من جهة الله سبحانه لاصرارك على الكفر (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) أي فتكون موكولا إلى الشيطان وهو لا يغني عنك شيئا. ان هذا الخطاب من إبراهيم (ع) لجده لأمه ، وان أباه الذي ولده كان اسمه تارخ لاجماع الطائفة على ان آباء نبينا (ص) إلى آدم عليهالسلام كلهم مسلمون موحدون (قالَ) آزر مجيبا لإبراهيم (ع) حين دعاه إلى الإيمان (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) أي أمعرض أنت عن عبادة آلهتي التي هي الأصنام (يا إِبْراهِيمُ) وتارك لها ، وزاهد فيها (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) أي لئن لم تمتنع عن هذا (لَأَرْجُمَنَّكَ) بالحجارة (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أي فارقني دهرا طويلا (قالَ) إبراهيم (سَلامٌ عَلَيْكَ) سلام توديع وهجر على الطف الوجوه ، وهو سلام متاركة ومباعدة منه (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) وعده بالاستغفار على ما يصح ويجوز من ترك عبادة الأصنام وإخلاص العبادة لله تعالى (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) أي بارا (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي واتنحى منكم جانبا ، واعتزل عبادة ما تدعون من دونه