من الأصنام (وَأَدْعُوا) أي وأعبد (رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) كما شقيتم بدعاء الأصنام ، وإنما ذكر عسى على وجه الخضوع وقيل : معناه : لعله يقبل طاعتي وعبادتي ولا أشقى بالردّ فإن المؤمن بين الرجاء والخوف (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي فارقهم وهاجرهم إلى الأرض المقدسة (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) ولدا (وَيَعْقُوبَ) ولد ولد (وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) أي أنسنا وحشته من فراقهم بأولاد كرام عل الله ، وكلا من هذين جعلناه نبيا يقتدى به في الدين (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) أي نعمتنا سوى الأولاد والنبوة من نعم الدين والدنيا (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) أي ثناء حسنا في الناس ، عليا مرتفعا سائرا في الناس ، وكل أهل الأديان يتولون إبراهيم وذريته ، ويثنون عليهم ، ويدّعون انهم على دينهم وقيل معناه : واعلينا ذكرهم بأن محمدا (ص) وأمته يذكرونهم بالجميل إلى قيام القيامة وقيل : وهو ما يتلى في التشهد كما صليت على ابراهيم.
٥١ ـ ٥٥ ـ ثم ذكر سبحانه حديث موسى (ع) فقال (وَاذْكُرْ) يا محمد (فِي الْكِتابِ) الذي هو القرآن (مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) أخلص العبادة لله تعالى ، وأخلص نفسه لأداء الرسالة (وَكانَ رَسُولاً) إلى فرعون وقومه (نَبِيًّا) رفيع الشأن ، عالي القدر (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) الطور : جبل بالشام ناداه الله تعالى من جانبه اليمين ، وهي يمين موسى (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) أي مناجيا كليما (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) أي أنعمنا عليه بأخيه هارون حيث قال : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ) ، وجعلناه نبيا ، أشركناه في أمره ، وشددنا به أزره (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ) الذي هو القرآن (إِسْماعِيلَ) بن إبراهيم أيضا (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) إذا وعد بشيء وفى به ولم يخل (وَكانَ) مع ذلك (رَسُولاً نَبِيًّا) إلى جرهم وقد مضى معناه. قال ابن عباس : انه واعد رجلا أن ينتظره في مكان ونسي الرجل فانتظره سنة حتى أتاه الرجل ، وقيل : ان إسماعيل بن إبراهيم عليهالسلام مات قبل أبيه إبراهيم عليهالسلام ، وإن هذا هو إسماعيل بن حزقيل ، بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة وجهه ، وفروة رأسه ، فخيّره الله فيما شاء من عذابهم ، فاستعفاه ، ورضي بثوابه ، وفوّض أمرهم إلى الله تعالى في عفوه وعقابه ، رواه أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ) أي قومه وعترته وعشيرته (بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) قيل : انه كان يأمر أهله بصلاة الليل ، وصدقة النهار (وَكانَ) مع ذلك (عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) قد رضي أعماله لأنها كلها طاعات لم تكن فيها قبائح وقيل : مرضيا معناه : صالحا زكيّا رضيّا ، فحصل له عنده المنزلة العظيمة.
٥٦ ـ ٦٠ ـ ثم ذكر سبحانه حديث إدريس فقال : (وَاذْكُرْ) يا محمد (فِي الْكِتابِ) الذي هو القرآن (إِدْرِيسَ) وهو جداب نوح (ع) واسمه في التوراة اخنوخ ، وقيل : انه سمي إدريس لكثرة درسه الكتب ، وهو أول من خط بالقلم وكان خياطا ، وأول من خاط الثياب وقيل : إن الله تعالى علمه النجوم والحساب وعلم الهيأة وكان ذلك معجزة له (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) مرّ معناه (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) أي عاليا رفيعا ، وقيل : إلى السماء السادسة عن ابن عباس والضحاك قال مجاهد : رفع إدريس عليهالسلام كما رفع عيسى (ع) وهو حيّ لم يمت وقال آخرون انه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة ، وروي ذلك عن أبي جعفر وقيل ان معناه : ورفعنا محله ومرتبته بالرسالة كقوله تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) ، ولم يرد به رفعة المكان ، عن الحسن والجبائي وأبي مسلم. ولما فصّل سبحانه ذكر النبيين ، ووصف كلا منهم بصفة تخصه ، جمعهم في المدح والثناء فقال : (أُولئِكَ) تقدّم ذكرهم (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بالنبوة وقيل : بالثواب وبسائر