(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) من جعلنا قلبه غافلا (عَنْ ذِكْرِنا) بالخذلان. أو نسبنا قلبه إلى الغفلة ، كما يقال : أكفره إذا نسبه إلى الكفر. أو من : أغفل إبله إذا تركها بغير سمة ، أي : لم نسمهم بالذكر ، ولم نجعلهم من الّذين كتبنا في قلوبهم الايمان. وقد أبطل الله تعالى توهّم المجبّرة بقوله : (وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) أي : تقدّما على الحقّ ، ونبذا له وراء ظهره. يقال : فرس فرط ، أي : متقدّم للخيل. ومنه الفرط.
وفيه تنبيه على أنّ الداعي إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات ، وانهماكه في المحسوسات ، حتّى خفي عليه أنّ الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد ، وأنّه لو أطاعه كان مثله في الغباوة.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : الحقّ ما يكون من جهة الله ، لا ما يقتضيه الهوى.
ويجوز أن يكون «الحقّ» خبر مبتدأ محذوف ، و «من ربّكم» حالا ، أي : هذا الّذي أوحي إليّ هو الحقّ حال كونه صادرا من ربّكم. يعني : جاء الحقّ وزاحت العلل ، فلم يبق إلّا اختياركم لأنفسكم ما شئتم.
(فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) يعني : من شاء أخذ في طريق النجاة ، ومن شاء أخذ في طريق الهلاك. وجيء بلفظ الأمر والتخيير لأنّه لمّا مكّن من اختيار أيّهما شاء ، فكأنّه مخيّر مأمور بأن يتخيّر ما شاء من النجدين.
(إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّأنا (لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) فسطاطها. شبّه به ما يحيط بهم من النار. وقيل : السرادق الحجرة الّتي تكون حول الفسطاط. وقيل : سرادقها دخانها ، يحيط بالكفّار قبل دخولهم النار. وقيل : حائط من نار يطيف (١) بهم.
(وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من العطش (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) هو كلّ شيء أذيب ، كالصفر المذاب ، أو النحاس المذاب ، أو غيرهما من جواهر الأرض. وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
__________________
(١) طاف يطوف حول الشيء : دار حوله. وأطاف يطيف بالشيء : ألمّ وأحاط به.