واعلم أنّ خبر «إنّ» الأولى «إنّ» الثانية بما في حيّزها. والراجع محذوف ، تقديره : من أحسن عملا منهم. أو مستغنى عنه بعموم (مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) كما هو مستغنى عنه في قولك : نعم الرجل زيد. أو واقع موقعه الظاهر ، فإنّ من أحسن عملا لا يحسن إطلاقه على الحقيقة إلّا على الّذين آمنوا وعملوا الصالحات. أو خبرها (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي : إقامة لهم ، لأنّهم يبقون فيها ببقاء الله دائما أبدا. وعلى الوجه الأخير اعتراض (١). وعلى الأوّل استئناف لبيان الأجر المبهم ، أو خبر ثان.
وعن ابن مسعود : عدن بطنان الجنّة ، أي : وسطها ، وهي جنّة من الجنّات. وعلى هذا ، فإنّما جمع لسعتها ، ولأنّ كلّ ناحية منها تصلح أن تكون جنّة.
(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) لأنّهم على غرف في الجنّة ، كما قال : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) (٢). وقيل : إنّ أنهار الجنّة تجري في أخاديد من الأرض ، فلذلك قال : تجري من تحتهم الأنهار.
(يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) «من» الأولى للابتداء ، والثانية للبيان ، صفة لـ «أساور». وتنكيره لتعظيم حسنها من الإحاطة به. وهو جمع أسورة في جمع سوار.
عن سعيد بن جبير : أنّه يحلّى كلّ واحد بثلاثة أساور : سوار من فضّة ، وسوار من ذهب ، وسوار من لؤلؤ وياقوت.
(وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) لأنّ الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة (مِنْ سُنْدُسٍ) ممّا رقّ من الديباج (وَإِسْتَبْرَقٍ) وما غلظ منه. جمع بين النوعين للدلالة على أنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين.
(مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) على السرر ، كما هو هيئة المتنعّمين المستريحين
__________________
(١) أي : إن جعلنا قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ ...) خبرا لـ «إنّ» الأولى ، يكون قوله : (إِنَّا لا نُضِيعُ ...) اعتراضا بين «إنّ» وخبرها. وعلى الوجه الأوّل ـ وهو جعل (إِنَّا لا نُضِيعُ ...) خبرا لـ «إنّ» الأولى ـ يكون قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ ...) استئنافا أو خبرا ثانيا لـ «إنّ».
(٢) سبأ : ٣٧.