أو مادّة أصلك (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) فإنّها مادّتك القريبة (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) ثمّ عدّلك وكمّلك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال. جعل كفره بالبعث كفرا بالله ، لأنّ منشأه الشكّ في كمال قدرة الله ، ولذلك رتّب الإنكار على خلقه إيّاه من التراب ، فإنّ من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه. وفي الآية دلالة على أنّ الشكّ في البعث والنشور كفر.
(لكِنَّا) أصله : لكن أنّا ، فحذفت الهمزة ، وألقيت حركتها على نون «لكن» ، فتلاقت النونان ، فحرّكت النون الأولى وأدغمت. وقرأ ابن عامر ويعقوب في رواية بالألف في الوصل ، لتعويضها من الهمزة ، أو لإجراء الوصل مجرى الوقف. (هُوَ اللهُ رَبِّي) هو ضمير الشأن ، وهو بالجملة الواقعة خبرا له خبر «أنا». أو ضمير الله ، و «الله» بدله ، و «ربّي» خبره ، والجملة خبر «أنا». (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) لا أشرك بعبادتي إيّاه أحدا ، بل أوجّهها إليه وحده خالصا. والاستدراك من «أكفرت» كأنّه قال : أنت كافر بالله ، لكنّي مؤمن به وبوحدانيّته.
(وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ) وهلّا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها (ما شاءَ اللهُ) أي : الأمر ما شاء الله. أو ما شاء الله كائن ، على أنّ «ما» موصولة. أو أيّ شيء شاء الله كان ، على أنّها شرطيّة ، والجواب محذوف ، إقرارا بأنّها وما فيها بمشيئة الله ، إن شاء أبقاها عامرة ، وإن شاء أبادها وخرّبها. (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) وهلّا قلت : لا قوّة إلّا بالله ، اعترافا بالعجز على نفسك والقدرة لله ، وأن ما تيسّر لك من عمارتها وتدبير أمرها فبمعونته وإقداره ، إذ لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلّا بالله.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من رأى شيئا فأعجبه فقال : ما شاء الله ولا قوّة إلا بالله ، لم يضرّه».
وروى هشام بن سالم وأبان بن عثمان عن الصادق عليهالسلام قال : «عجبت لمن خاف الفقر كيف لا يفزع إلى قوله سبحانه : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١) قال : سمعت الله عزوجل
__________________
(١) آل عمران : ١٧٣.