ل «اضرب» ، على أنّه بمعنى : صيّر.
(أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) فالتفّ وتكاثف بسببه ، وخالط بعضه بعضا من كثرته وتكاثفه. أو نفذ في النبات الماء ، فاختلط به حتّى روى ورفّ (١) رفيفا. وعلى هذا ، كان حقّه : فاختلط بنبات الأرض ، لكن لمّا كان كلّ من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس ، للمبالغة في كثرته.
(فَأَصْبَحَ هَشِيماً) مهشوما متفتّتا (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) تفرّقه. والمشبّه به ليس الماء ولا حاله ، بل الكيفيّة المنتزعة من الجملة ، وهي حال النبات المنبت بالماء ، يكون أخضر وارفا ، ثمّ هشيما تطيّره الرياح ، فيصير كأن لم يكن. فشبّه الدنيا بهذا النبات في سرعة الفساد والهلاك. (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الإنشاء والإفناء (مُقْتَدِراً) قادرا.
(الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) يتزيّن بها الإنسان في دنياه ، وتفنى عنه عمّا قريب (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) وأعمال الخير الّتي تبقى له ثمرتها أبد الآباد ، وتفنى عنه كلّ ما تطمح إليه نفسه من حظوظ الدنيا (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ) من المال والبنين (ثَواباً) عائدة (وَخَيْرٌ أَمَلاً) لأنّ صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يأمل بها في الدنيا.
روي عن عطاء وعكرمة ومجاهد عن ابن عبّاس : أنّ الباقيات الصالحات هي ما كان يأتي به سلمان وصهيب وفقراء المسلمين ، وهو : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر.
وروى أنس بن مالك عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال لجلسائه : «خذوا جنّتكم. قالوا : أحضر عدوّ؟ قال : خذوا جنّتكم من النار ، قولوا : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر. فإنّهن المقدّمات ، وهنّ المجيبات ، وهنّ المعقّبات ، وهنّ الباقيات
__________________
(١) رفّ لونه رفيفا : برق وتلألأ.