وقيل : يعرضون صفّا بعد صفّ. (لَقَدْ جِئْتُمُونا) على إضمار القول ، أي : قلنا لهم : لقد جئتمونا. وهذا المضمر يجوز أن يكون عاملا في (يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ). (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) عراة لا شيء معكم من المال والولد ، كقوله : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) (١).
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «يحشر الناس من قبورهم يوم القيامة عراة حفاة غرلا (٢). فقالت عائشة : يا رسول الله أما يستحيي بعضهم من بعض؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)». أو أحياء كخلقتكم الأولى.
(بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وقتا لإنجاز الوعد بالبعث والنشور ، وأنّ الأنبياء كذّبوكم به. و «بل» للخروج من قصّة إلى قصّة اخرى.
(وَوُضِعَ الْكِتابُ) صحائف أعمال بني آدم في الأيمان والشمائل ، أو في الميزان. وقيل : هو كناية عن وضع الحساب. (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا فِيهِ) من الذنوب (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا) ينادون هلكتهم الّتي هلكوها من بين الهلكات (ما لِهذَا الْكِتابِ) تعجّبا من شأنه (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً) لا يترك هنة صغيرة (وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) إلّا عدّدها وأحاط بها ، أي : أحصاها كلّها. وقد مرّ (٣) تفسير الصغيرة والكبيرة في سورة النساء. (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) مكتوبا في الصحف (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) فيكتب عليه ما لم يفعل ، أو يزيد في عقابه الملائم لعمله.
وفيه دلالة على أنّه سبحانه لا يعاقب الأطفال ، لأنّه إذا كان لا يزيد في عقوبة المذنب فكيف يعاقب من ليس بمذنب؟!
__________________
(١) الأنعام : ٩٤.
(٢) غرل الصبيّ : لم يختن ، فهو أغرل ، وجمعه : غرل.
(٣) راجع ج ٢ ص ١٤٨.