(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) واذكر يوم نقلعها ونسيّرها في الجوّ ، أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثّا. ويجوز عطفه على «عند ربّك» أي : الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : تسيّر ، بالتاء والبناء للمفعول.
قيل : يسيّرها على وجه الأرض كما يسيّر السحاب في السماء ، ثمّ يجعلها كثيبا مهيلا ، كما قال : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) (١) الآية. ثمّ يصيّرها كالعهن المنفوش ، كما قال : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٢). ثمّ يصيّرها هباء منبثّا في الهواء ، كما قال : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) (٣). ثمّ يصيّرها بمنزلة التراب ، كما قال : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) (٤).
(وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) بادية برزت من تحت الجبال ، ليس عليها ما يسترها من الجبال والنبات والشجر. وقيل : معناه قد برز من كان في بطنها ، فصاروا على ظهرها.
وتقديره : وترى ما في باطن الأرض بارزا. فهو مثل قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ترمي الأرض بأفلاذ كبدها».
(وَحَشَرْناهُمْ) وجمعناهم إلى الموقف. ومجيئه ماضيا بعد «نسيّر» و «ترى» لتحقّق الحشر ، أو للدلالة على أنّ حشرهم قبل التسيير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم.
وعلى هذا ، تكون الواو للحال بإضمار «قد». (فَلَمْ نُغادِرْ) فلم نترك (مِنْهُمْ أَحَداً) يقال : غادره وأغدره إذا تركه. ومنه : الغدر لترك الوفاء ، والغدير لما غادره السيل.
(وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ) شبّه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم (صَفًّا) مصطفّين ظاهرين ، لا يحجب أحد أحدا.
__________________
(١) المزّمّل : ١٤.
(٢) القارعة : ٥.
(٣) الواقعة : ٥ ـ ٦.
(٤) النبأ : ٢٠.