أن يستمعوه حقّ استماعه. وقد تقدّم (١) بيان هذا فيما مضى. وجملته أنّه على التمثيل ، كما قال في موضع آخر : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) (٢). فالمعنى : كأنّ على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه ، وفي آذانهم وقرا أن يسمع.
(وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) فلا يكون منهم اهتداء البتّة ، كأنّه محال منهم ، لشدّة تصميمهم على الكفر والعناد مدّة التكليف كلّها. و «إذا» كما عرفت جزاء وجواب ، فدلّ على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول ، بمعنى أنّهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه ، وعلى أنّه جواب للرسول على تقدير قوله : مالي لا أدعوهم حرصا على إسلامهم؟ فقيل : وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا.
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ) البليغ المغفرة (ذُو الرَّحْمَةِ) الموصوف بالرحمة. ثمّ استشهد على ذلك بترك مؤاخذة أهل مكّة عاجلا ، مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) وهو يوم بدر ، أو يوم القيامة (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) منجا. يقال : وأل إذا نجا ، ووأل إليه إذا لجأ إليه.
(وَتِلْكَ الْقُرى) يعني : قرى عاد وثمود وأضرابهم. و «تلك» مبتدأ خبره (أَهْلَكْناهُمْ). ويجوز أن يكون «تلك القرى» نصبا بإضمار «أهلكنا» على شرائط التفسير. والمعنى : وتلك أصحاب القرى أهلكناهم (لَمَّا ظَلَمُوا) بالتكذيب والمراء وأنواع المعاصي ، مثل ظلم أهل مكّة (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) لإهلاكهم وقتا معلوما ، لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون. فليعتبروا بهم ، ولا يغترّوا بتأخير العذاب عنهم.
وقرأ أبو بكر : لمهلكهم بفتح الميم واللام ، أي : لهلاكهم. وحفص بكسر اللام حملا على ما شذّ من مصادر : يفعل ، كالمرجع والمحيض.
__________________
(١) راجع ج ٢ : ص ٣٧٤ ذيل الآية ٢٥ من سورة الأنعام ، وهنا ص ٤٠ ذيل الآية ٤٦ من سورة الإسراء.
(٢) لقمان : ٧.