المحذوف. وكلاهما منقولان من «علم» الّذي له مفعول واحد. ويجوز أن يكون «رشدا» علّة لـ «أتّبعك» أو مصدرا بإضمار فعله.
ولا ينافي نبوّته وكونه صاحب شريعة أن يتعلّم من غيره ما لم يكن شرطا في أبواب الدين ، فإنّ الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممّن أرسل إليه فيما بعث به من اصول الدين وفروعه لا مطلقا. وقد راعي في ذلك غاية التواضع والأدب ، فاستجهل نفسه ، واستأذن أن يكون تابعا له ، وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه.
وإنّما سمّي خضرا ، لأنّه إذا صلّى في مكان اخضرّ ما حوله.
(قالَ) الخضر (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) أي : يثقل عليك الصبر ولا يخفّ عليك. وإنّما قال ذلك لأنّ موسى عليهالسلام كان يأخذ الأمور على ظواهرها ، والخضر كان يحكم بما علّمه الله من بواطنها ، فلا يسهل على موسى مشاهدة ذلك. فنفى استطاعة الصبر منه على وجه التأكيد ، كأنّها ممّا لا يصحّ ولا يستقيم.
وعلّل ذلك واعتذر عنه بقوله : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) أي : وكيف تصبر وأنت نبيّ على ما أتولّى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك؟ والرجل الصالح لا يصبر على ذلك ، فكيف إذا كان نبيّا؟! لا يتمالك أن يشمئزّ ويمتعض (١) ويجزع إذا رأى ذلك ، ويأخذ في الإنكار. و «خبرا» تمييز ، أي : لم يحط به خبرك أو مصدر ، لأنّ «لم تحط» بمعنى لم تخبره ، فنصبه نصب المصدر.
(قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) معك غير منكر عليك (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) عطف على «صابرا» أي : ستجدني صابرا وغير عاص أو على «ستجدني».
وتعليق الوعد بالمشيئة إمّا للتيمّن ، أو لعلمه بصعوبة الأمر ، فإنّ مشاهدة الفساد والصبر على خلاف المعتاد شديد ، خصوصا على الأنبياء.
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «معضت من ذلك الأمر وامتعضت ، إذا غضبت وشقّ عليك. منه غفر الله له».